ما من أحد يشك في أن الصحوة الإسلامية التي غدت في العقد الأخير من القرن العشرين هي أحد أبرز مميزات وسمات تاريخنا المعاصر ليس في بلادنا وحسب وإنما في سائر أقطار المعمورة.
ومن يتأمل مظاهر هذه الصحوة وواقعها ومعالمها فإنه سيغتبط لهذه العودة الرشيدة الى دين الله افواجا.
ولعل من أهم العوامل الإيجابية المؤثرة في بروز الصحوة الإسلامية تهافت الإيديولوجيات والأفكار المستوردة والغريبة عن واقع أمتنا وتراثها وشخصيتها وأعرافها مما أسهم سريعا في خمود طفرة العلمانية وإختفاء الماركسية وإنزواء سائر المنظومات الإشتراكية والقومية، وانقراض العبثية والوجودية وصرعات الغربنة والإنحلال والتفسخ .
وليس من باب التجني القول أن سقوط بعض الانظمة التي كانت تعادي الفكر الإسلامي ودعاته كان له الأثر الإيجابي والسريع والفعال في إنفجار الوعي الإسلامي لدى هذه الأمة بل وجرأتها في توجيه أصابع الإتهام ساخرة الى كل المنظرين والعقائديين والحزبيين والعلمانيين الذين أسهموا – بعلم منهم أو بجهل – في تكبيد الأمة الهزيمة تلو الأخرى وفي إثارة التناحر والشقاق وفي الإنصراف عن القضايا الكبرى التي تلهج بها شعوبنا على المستويات كافة.
اجل لقد أثبتت وقائع النصف الثاني من القرن الذي مضى أن كل من أسهم في إعلان مشاعر العداء نحو الفكر الإسلامي ودعاته كان بكل تأكيد مطية في يد أعداء الأمة وبخاصة اليهودية العالمية.
ولعل بعضا من أجواء الحرية التي إضطرت بعض أنظمتنا الى إعتمادها – والتي نلاحظ انها تتراجع هذه الأيام – كان لها الدور الرئيس في تنامي الصحوة الإسلامية ، حركةً ودعوةً وانتداءً وحواراً ، وصار للفكر الإسلامي ركائزه ومبشروه وحماته ، فإزداد الوعي تأصلا وتنامت المشاعر الدينية لدى نفوس أبناء هذه الأمة ، وكنا نرى مظاهر هذه الصحوة على جميع الأصعدة والمستويات يتصدرها عليَّة القوم ورواد العلم والثقافة الذين يقفون في وجه كل معتدي للفكر الإسلامي الشامخ المستنير.
ولم يعد الشاب المؤمن ليخشى من أي إتهام له بالرجعية ، كما كانت تلصق به أواسط القرن الماضي وأواخره ، فيضطر الى التراجع عن عقيدته ولو بالمناورة حتى لا يضيق الخناق عليه أو تسد في وجهه الأبواب والمناصب والوظائف ..
لقد سيطر الفكر الإسلامي الرشيد على الساحة وأثبت أنه هو وحده القادر على التصدي للمشكلات التي تعترض الأمة وأن المسلمين هم وحدهم المؤهلون لتحرير القدس الشريف والأقصى المبارك بعد أن عجزت سائر الأفكار المائعة والمشبوهة عن توحيد الأمة في مواجهتها ضد العدو التاريخي والديني والحضاري .
إن هذه الصحوة التي لمحنا وجهها وقد بدا ساطعا في كل حدث وإنتفاضة ، وتعزز دورها وتأثيرها بالزحف المبارك لشبابنا نحو المساجد وإلتزام معظم بناتنا ونسائنا بالحجاب ، شعارا للإسلام طلبا لمرضاة الله وإغاظة لأعدائه.
إن هذه الصحوة التي تغلغلت في الجامعات ، وإستضافتها أدمغة المفكرين والمثقفين وإحتضنتها القلوب الظمأى الى مناهل هذا الدين العظيم ، تستدعي منا اليوم ومن سائر العاملين في الحقل الإسلامي وقفة تأمل وتبصر لإجراء دراسة متأنية لمواقع أقدام هذه الصحوة ومدى ثبات خطواتها وسلامة منهجها وردود الفعل حول مظاهرها ، توخيا لإستشفاف مواطن الزلل أو التقصير أو حتى الإنحراف، وذلك حرصا منا جميعا على حماية هذه الصحوة والذود عنها ووقايتها من أي عارض قد يصيبها والإسراع في معالجتها قبل فوات الأوان ، وخاصة في ظل هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمين .
*أخوكم الشيخ مظهر الحموي*