خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح داخل كواليس محلية وإقليمية ودولية تهتم بمتابعة الإنتخابات الرئاسية في لبنان؛ مفاده هل أن إعلان نصرالله في خطاب يوم الجريح أول من أمس، “دعم ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية”، كان إيذاناً ببدء معركة فرنجية الرئاسية؛ أم إيذاناً بفتح باب التفاوض على ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية؟؟..
..والواقع أن بعض المتابعين للملف الرئاسي، كان منذ نحو أسبوعين يتوقع أن نصر الله سيبادر عما قريب إلى إعلان ترشيح سليمان فرنجية بشكل رسمي لرئاسة الجمهورية؛ وذلك لأن أمين عام حزب الله بات لديه حاجة لاستخدام إعلان هذا الترشيح في تحقيق الأهداف التالية:
أولاً- كسر الجمود الحاصل في موضوع رئاسة الجمهورية؛ خاصة وأن نسبة عالية من سهام الإتهام بتعطيل هذا الاستحقاق تصوب على حزب الله..
ثانياً- رغبة نصر الله باستعجال التفاوض من قبل الخارج معه على موضوع الاستحقاق الرئاسي.. فالحزب مستاء من واقع الصمت الخارجي الذي يسود بخصوص كل العروض التي تارة يقدمها الفرنسيون وتارة يحملها موفدون من جنسيات مختلفة، ولكن كل هؤلاء يذهبون ولا يعودون..
وخلال الأسابيع الأخيرة كان ساد توقع عن أن السعودية سيكون لها موقف منفتح على الانخراط “بتسوية ما” بشأن رئاسة الجمهورية؛ وكان بعض نواب التيار الوطني الحر تحدثوا عن ذلك علناً في مقابلات تلفزيونية، ومنهم الآن عون الذي قال أن كل الأمور الآن جامدة بإنتظار وصول جواب من الرياض على أسئلة حول الاستحقاق الرئاسي(!!)..
غير أن كل هذه المعلومات التي انتظر حزب الله مفاعيل عملية لها، لم تؤد عملياً إلى أية نتائج ملموسة.. ولذلك كان قرار نصر الله بعدم انتظار الخارج حتى يبادر، لأنه في هذه الحالة سيكون على البلد أن ينتظر عشر سنوات؛ وأنه من الأفضل بل من الضروري القيام بخطوة تؤدي إلى استعجال التفاوض سواء الداخلي أو الخارجي على التسوية الرئاسية.. وتتمثل هذه الخطوة بنظر نصر الله بخروجه عن حالة انتظار تطور ما يخرق السكون الانتخابي، والمبادرة لإعلان دعم حزب الله والثنائي الشيعي بشكل رسمي ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية..
ولدى الحزب على ما تقول مصادره، قراءته الخاصة للمفاعيل السياسية التي ينتظرها كنتيجة لهذه الخطوة، أبرزها اعتقاده بأن إقدام نصر الله على دعم ترشيح فرنجية سيتم النظر إليه من قبل دول وجهات عدة على أنه نوع من التصعيد السياسي؛ ما يستلزم الرد عليه سياسياً وذلك عن طريق الانخراط عملياً بمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية. والواقع أن الحزب يريد حصول ردة الفعل هذه؛ لأنها ستقود حتماً إلى بدء التفاوض ولو من موقع الخصومة، على إسم ثالث غير مستفز للطرفين؛ وهذا الإسم لن يكون طبعاً سليمان فرنجية ولا بطبيعة الحال ميشال معوض، بل أغلب الظن إسم قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي منذ البداية يتم طرحه على أساس أنه مرشح تسوية؛ وعلى أساس أنه مرشح ثالث بين إسمي مواجهة وتحدي هما فرنجية عن الحزب وحلفائه وميشال معوض عن القوات اللبنانية ومن معها مرحلياً..
..وإلى حد بعيد صدق توقع الجهات التي اعتبرت منذ أكثر من أسبوعين أن توقيت ترشيح نصر الله لفرنجية قد اقترب، وأن نصر الله سيستخدم هذا الترشيح باتجاهين اثنين: الأول إثبات وفاء الثنائي الشيعي لفرنجية وإعطاء الرجل كل فرصته للوصول للرئاسة.. والثاني استعجال فتح باب التفاوض على مرشح تسوية في حال لم تتوفر حظوظ لأبي طوني..
..وحالياً سوف ينتظر حزب الله كيف ستتفاعل ردود الفعل المحلية والخارجية على خطوة نصر الله بدعم ترشيح فرنجية؛ وبناء على تقويمه لردود الفعل هذه، سيبني نصر الله طبيعة خطواته التالية، وذلك باتجاه تعزيز احد خيارين: إما الإستمرار بترشيح فرنجية في حال وجد أنه تم تجاهل رغبته بالتفاوض من قبل الداخل والخارج؛ وإما الانفتاح على التفاوض على مرشح تسوية في حال وجد ميلاً لذلك عند الطرف الآخر..
والواقع أنه يوجد اعتقاد لدى متابعين بأن نصر الله وقت إعلان فتح باب التفاوض على رئاسة الجمهورية، في توقيت صحيح، ذلك أن هذه اللحظة تشهد تسونام تفاوضي بين كل أطراف الأزمات الساخنة، سواء في اليمن أو في ليبيا أو العراق وحتى في سورية؛ والسبب وراء ذلك، هو إحساس العالم ودول المنطقة بأن هناك سباقاً خطراً بين الحرب والسلم، نتيجة أزمة نتنياهو الداخلية من جهة، ورغبته العارمة بتصديرها إلى الخارج، وأيضاً نتيجة إعلان إيران من جهة ثانية عن تقدم منسوب قدرتها على إنتاج القنبلة النووية.. وكل هذه التوترات تدفع واشنطن لتبريدها نظراً لرغبتها بإبقاء كل الجهود الحربية مركزة على أوكرانيا ضد بوتين، ما يقود بالتالي للافتراض بأن هذا السباق بين حرب نتنياهو وتهدئة بايدن سيؤدي إلى خلق مناخ يفتح باب التفاوض العاجل على مصرعيه حول كل ملفات المنطقة الساخنة، وذلك من أجل تبريدها ونزع فتيل اشتعالها المفاجئ..
..وضمن هذه المعادلة يصبح ممكناً القول أن خطوة نصر الله أول أمس بإعلانه دعم ترشيح فرنجية، مثلت محاولة من قبله لتسليط الضوء على أن أزمة الرئاسة في لبنان باتت فتيلاً مشتعلاً، كون حزب الله أعلن سيره بمرشح تحدي؛ وأن المطلوب إطفائه بتسوية داخلية أو خارجية كما يحصل في هذا الوقت مع معظم الملفات التي تشكل فتائل مشتعلة في المنطقة..
وضمن هذا السياق؛ هناك قناعة بأن الإخراج الذي تم تقديم ترشيح فرنجية به؛ كان مقصوداً ويدعو للتساؤل؛ ذلك أن الأمر الطبيعي كان يقول أن يطلق فرنجية بنفسه بيان ترشحه للرئاسة؛ وليس أن ينطق بترشيحه للرئاسة الثنائي الشيعي!؟
ولكن يبدو أن طبيعة الرسالة السياسية الكامنة وراء ترشيح فرنجية كانت تقتضي أن يبقى خلف الستارة، لينطق بإسمه من بيده توقيع التسوية فيما لو عرضت عليه..