خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
أمس جاء الخبر من الصين، من وراء “السور العظيم” كما قال وليد جنبلاط في تغريدته عن الاتفاق الإيراني- السعودي.
..وبكل المقاييس يعتبر الاتفاق السعودي الإيراني كما وقع أمس بالأحرف الأولى، هو حدث العام، وفيما لو نجح هذا الاتفاق وبلغ نهايته في تصحيح العلاقة بين طهران والرياض، فهو سيكون بلا شك، الحدث الأهم طوال العقد الذي نحن فيه.
البعض يرى أن الاتفاق السعودي الإيراني هو تعويض عن فشل الاتفاق الإيراني- الأميركي، وأن إدارة بايدن تريد هذا الاتفاق حتى لا يؤدي الفراغ الاستراتيجي الذي سيحدث في المنطقة نتيجة فشل مفاوضات فيينا، إلى حالة من التوتر المستطير.
وبعيداً عن الصلة بين إتفاق الرياض – طهران الذي حدث في الصين، مع اتفاق طهران واشنطن الذي لم يحدث في فيينا؛ فإنه يبقى هناك ملاحظتان اثنتان مفتاحيتان تضيئان في هذا الوقت المبكر جزء من خلفية الإتفاق الإيراني السعودي المفاجئ للكثيرين:
الملاحظة الأولى تقع في ان مفاجأة الاتفاق الاساسية التي فاقت مفاجأة توقيته وحتى مضمونه، تمثلت “بمكان توقيعه”، وبهوية الدولة التي رعته وحمت سره وأظهرته كمفأجاة لكل العالم؛ أي الصين ..
إن توقيع الاتفاق في الصين، وبوساطة من بكين، إنما يشبه توقيع عبد الناصر اتفاق الأسلحة التشيكية في خمسينات القرن الماضي، حيث سيقول التاريخ ان توقيع هذين الاتفاقين سمحا بأن يكسرا احتكار الغرب للحضور السياسي في المنطقة، وسمحا “لمعسكر الشرق” بأن يدخل من أبواب واسعة إلى الشرق الأوسط.
إن توقيع الرياض في الصين على اتفاق مع إيران، يتصف بأن مفاعيله ستخدم مجمل استقرار المنطقة؛ يعني بشكل من الأشكال ان بكين لم تعد فقط أكبر شريك اقتصادي استراتيجي للسعودية ولدول في الخليج، بل أصبحت أيضاً أكبر قوة سلام اقتصادية إستراتيجية في الشرق الأوسط؛ وأيضاً اكبر “قوة مستجيبة” للازمات في الشرق الاوسط، وذلك بمقابل أن واشنطن حتى اليوم هي أكبر “متدخل سياسي استراتيجي للأزمات في الشرق الأوسط”.
وعليه؛ فإن صورة الامير محمد بن سلمان بعد اتفاق الرياض مع طهران، وبعد توقيعه تحديداً في الصين، سوف تضيف للأسئلة عند المواطن العربي الجديد عن الأفق الذي يحمله هذا الأمير الشاب، ملمّحاً أوضح يؤشر إلى أن موقع الأمير محمد بن سلمان داخل لجج المتغيرات الجديدة في العالم وفي المنطقة وفي السعودية؛ يذكر من حيث موقعه فيها، وليس من حيث استنساخه؛ بعبد الناصر في مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي حينما ولدت زعامته العربية والمسلمة الواسعة من رحم موقعه المتمايز والمفاجئ داخل عالم أيضاً كان يتغير، وداخل منطقة كانت تحمل لمصر تحديات؛ كما كانت تحمل لها مصر الاستجابة لتحديات التغيرات.
إن الصين التي كان عرب ومسلمو المنطقة يرونها قوة اقتصادية عظمى، ولكنها قوة سياسية عظمى نائية؛ تبين الآن انها “طبيب” أقرب لمشاكل المنطقة المزمنة، من مجموعة أطباء اوروبا واميركا في عيادة فيينا، وأسرع في تلبية خدمات النجدة، من استجابة القواعد العسكرية والدبلوماسية الاميركية الموجودة في الخليج وفي الاردن وفي شمال شرق سورية وفي المنطقة الخضراء في العراق، الخ..
وقصاري القول في هذا المجال انه بعد رعاية الصين لأهم اتفاق تنتظره المنطقة بين أهم دولتين فيها؛ فإن بكين في نظر الشرق الأوسط، لم تعد فقط “قوة اقتصادية عظمى صاعدة “و”قوة سياسية عظمى نائية”، بل أصبحت “قوة عظمى اقتصادية وسياسية مستجيبة لأزمات الشرق الأوسط”، وذلك في لحظة تتسم بأن “قوة واشنطن العظمى المتدخلة في ازمات الشرق الأوسط” تستعد للخروج منه، ومن مهمتها التقليدية كشرطي فيه ..
..ولكن السؤال الذي لا يوجد جواب عليه حتى الآن، هو أنه إذا كانت الصين هي في لحظة دخول سياسي بعد دخولها الاقتصادي، إلى المنطقة، فكيف والحال هذا، يمكن منطقياً فهم أن اميركا تخرج من منطقة الشرق الأوسط التي تأتي إليها الصين، لأنها تريد الذهاب إلى منطقة آسيا الوسطى كي تصبح قريبة من الصين لتواجهها!!.
الملاحظة الثانية أو المفاجأة الثانية في اتفاق إيران- السعودية هو التصريح الأميركي الذي قال أن واشنطن كانت تعلم بالتفاوض الإيراني- السعودي في بكين؛ وهذا يعني أمرين إثنين لافتين جداً:
الأمر الأول هو أن هذا الاتفاق لم يحدث من وراء ظهر واشنطن .. ومن ناحية ثانية أن إدارة بايدن غير مستاءة من تطبيع السعودية لعلاقتها مع إيران، ومن ناحية ثالثة أن إدارة بايدن تريد تعويض فشل محادثات أميركا مع إيران بنجاح محادثات الرياض مع طهران ..
الأمر الثاني المفاجئ وهذه المرة لإسرائيل، هو أنه في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يجول العالم لإقناعه بعزل طهران، وبضرورة أخذ خطوة عسكرية ضد إيران؛ فإن بايدن كان يعلم بوجود مفاوضات سعودية إيرانية في الصين بهدف حصول انفتاح عربي على إيران؛ ومع ذلك كان بايدن يكتم سرها لضمان نجاحها؛ ولذلك لم تبلغ واشنطن تل أبيب بما يحدث في الصين من مسعى يؤدي إلى تحول كبير في معادلة الشرق الاوسط باتجاه معاكس لما يريده نتنياهو …