نظّم “ملتقى بيروت” ندوة في مقره عن: مصير الودائع المصرفية: بين الواقع العملي والتضليل المغرض، تحدّث فيها رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر، وحضرها وزير المهجرين السيد عصام شرف الدين والنواب السادة فؤاد مخزومي وفيصل الصايغ وإبراهيم منيمنة ونبيل بدر ممثلاً بالمحامي رضوان الأسير والوزير السابق العميد حسن السبع، وحشد من الشخصيات الناشطة في المجالين الثقافي والاجتماعي.
بدأت الندوة بكلمة رئيس الملتقى الدكتور فوزي زيدان رحّب فيها بالمشاركين الكرام، وجاء فيها: “نريد أموالنا بأيّ ثمن” عبارة يردّدها المودعون في المصارف اللبنانية منذ أكثر من ثلاث سنوات، بعدما فرضت قيوداً غير قانونية على عمليات السحب والتحويلات بالدولار، واحتجزت أموال المودعين قسراً، فيما خسرت الودائع بالليرة اللبنانية قيمتها بفضل الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار بالسوق السوداء. ومن المعلوم أنّ ودائع المودعين لدى المصارف كانت قبل الانهيار في أواخر شهر أيلول في العام 2019 حوالى 123 مليار دولار، وكانت ودائع المصارف لدى مصرف لبنان حوالى 100 مليار دولار.
وأردف قائلاً: من أجل خفض ديون المصارف ومن ضمنها مصرف لبنان وبدعم من السلطة السياسية الفاسدة، ابتدع مصرف لبنان تعاميم تجعله يدفع ديونه لدى المصارف بالليرة اللبنانية التي يطبعها بالمليارات من دون تغطية لها، وبالتالي تدفع المصارف ديونها لدى المودعين بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف مخفّض للدولار، وهي جريمة خسر بموجبها المودعون 80% من القيمة الحقيقية لودائعهم وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وبهذه العملية الاحتيالية خفّض مصرف لبنان والمصارف ديونهم بمليارات الدولارات. وقد صنّف البنك الدولي الأزمة المصرفية اللبنانية أنها من بين الأسوأ عالمياً منذ العام 1850.
ثمّ بدأ المحامي كريم ضاهر محاضرته، وجاء فيها: لقد أضحى واقعاً معلوماً ومتوافقاً عليه أنّ مصير الودائع المصرفية المحجوزة من قبل “أصحاب الأمانة” باتت مرتبطة بتوفّر السيولة وبالتالي بحلّ الأزمة المستعصية على كل الصعد منذ اندلاع اتفاضة 17 تشرين الأول سنة 2019. لذا علينا إجراء تقويم لأسباب وجذور الأزمة وهي:.
أولى الحقائق أنّ الأزمة الراهنة ليست وليدة ساعتها بل تعود جذورها إلى سنوات خلت، بالتالي يمكن وصفها بأزمة نظام وخيارات اقتصادية خاطئة، تتطلب إعادة هيكلة شاملة على رؤية اقتصادية حديثة، ترتكز بشكل أساسي على العدالة الاجتماعية والنمو والمواطنية.
ثاني الحقائق، هناك ثمّة فرق بين أزمة السيولة (التي يذرّع بها البعض للتفلت من المسؤولية) وبين أزمة الملاءة المالية؛ الأولى تعني على الصعيد المؤسّساتي عجز الدولة (و/أو القطاع المالي والمصرفي) الظرفي عن تلبية المتوجبات المالية واستحقاقات الديون رغم توافر مكوّنات الملاءة المالية، ما قد يستجرّ تدخّلاً أجنبياً ودولياً كما حصل منذ بداية الأزمة مع صندوق النقد الدولي، لتأمين السيولة سريعاً أو جدولة الديون المستحقة أو في حال الاستحالة إعادة هيكلتها عن طريق الآليات المطروحة تباعاً في خطط الحكومات المتعاقبة.
ثالث الحقائق، تتطلب إعادة هيكلة الدين العام إلى تشريحه بين دين محلّي ودين خارجي، كون آليات إعادة الهيكلة تختلف باختلاف مصادر التمويل وطبيعة الإصدارات ونوع العملة والقوانين الواجب تطبيقها والمحاكم ذات الاختصاص.
على ضوء ما تقدم، فقد بات من المؤكد اليوم أنّ الخروج من الأزمة يستدعي تدابير جذرية، أولها إعادة هيكلة الدين العام ودين مصرف لبنان وبنتيجتهما ديون المصارف، وتوزيع الخسائر بشكل عادل على هؤلاء الفرقاء زائد المودعين الكبار المستفيدين من العمليات المشبوهة أو السخية كما وكل من يتبين حيازته على أموالِ غير مشروعة.
ولا يضير القول أن ما شاهدناه من طروحات لغاية تاريخه تفتقد إلى الجدية والشفافية والعدالة وتنطلي على الكثير من المخالفات والإجحاف وطمس للحقائق. وهذا ما يحملنا على التأكيد أن أولى البدايات لأيّ تغيير جدي يبدأ مع كشف الحقائق والمخالفات بغية تحديد المسؤوليات وإجراء المحاسبة على أساسها.
والمدخل الرئيس لهذا المسار التمهيدي، يمكن اختصاره من جهة، بالعناوين الإجرائية والعملية التالية: (أ) التدقيق في كل الحسابات المصرفية لتحديد الودائع المؤهلة للحماية والاسترداد بحيث يتمّ التمييز بين الودائع ذات المصادر الشرعية والودائع غير الشرعية؛ (ب) الانتهاء من التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي والمصارف التجارية لتحديد المسؤوليّات وكشف العمليات المصرفية المشبوهة الناتجة عن أو المرتبطة بعمليات إفلاس احتيالي أو إساءة أمانة أو اختلاس أو غش أو استغلال للمعلومات المميزة أو تبييض أموال أو سواها. كما والتحقيق بالتحويلات المصرفية التي تمّت بعد 17 تشرين الأول 2019، بالإضافة إلى تسديد ديون القطاع الخاص والاستفادة من تعدد سعر العملات. ناهيك عن تحديد الحسابات التي استفادت من الفوائد والأرباح والمكافآت المُضخّمة منذ وقوع الحساب التجاري بعجز، وذلك لإجراء التخفيض والشطب والاسترداد لكل ما هو غير مشروع و/أو غير مستحق قبل أيّ عملية استرداد للودائع. كما يقتضي إضافةً (ت) إعتماد حوكمة جديدة للقطاع المالي والمصرفي بتغيير ألإدارات لقيادة خطّة إعادة هيكلة المصارف وسيّما لدى المصرف المركزي، لحلّ تضارب المصالح بين واضعي السياسات المالية وواضعي القواعد الاحترازية لتدارك المخاطر المالية.
وأخيرً (ث) الإسراع بإقرار اقتراحي قانون استقلالية القضاء العدلي والقضاء الإداري على نحو يضمن استقلالية فعلية للهيئات القضائية وفق المعايير الدولية، حيث لا محاسبة ولا مكافحة للفساد ولا استرداد للأموال من دون قضاء مستقل. على أن يكون ذلك، بالموازاة مع تطبيق خطّة مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية عام 2020 وقرار مجلس الوزراء رقم 17 تاريخ 12/5/2020 مع خطة العمل التي اعتمدها.
وتترافق هذه الإجراءات مع تدابير أخرى متعلقة بالاقتصاد والنقد من بينها إعادة وصل ما انقطع مع صندوق النقد الدولي من خلال استكمال تنفيذ الشروط التي حددها الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين، وإقرار قانوني الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة وتنظيم القطاع المصرفي مع إعادة التوازن للنظام المالي.