خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
أمس احتشد العسكريون المتقاعدون مع مجموعات وتجمعات مدنية للاعتراض على ما وصل إليه الوضع المعيشي. وداخل هذا المشهد حصل الكثير من الأحداث التي يسميها البعض “تفاصيل”؛ ويسميها البعض الآخر “تباينات” داخل شارع الانتفاضة التي بدورها لا يوجد اتفاق على تسميتها؛ فالبعض يسميها “حراكاً” والبعض الثاني يسميها “ثورة”؛ والبعض الأخير يسميها “فقاعة صابون” وانتهت..
..ومن بين هذه “الأحداث” أو “التفاصيل” أو “التباينات” التي حصلت داخل مشهد حالة الاعتراض في ساحة رياض الصلح أمس، هو أن ضباطاً متقاعدين طلبوا من نائبة معارضة أن تخرج من التظاهرة، لأن هذه التظاهرة مخصصة فقط للعسكريين المتقاعدين؛ وردت النائبة عليهم بأن “هذا الحراك هو لكل اللبنانيين”..
تقول النائبة ان الضابط المتقاعد الذي طلب منها الخروج من ساحة الاعتراض يحمل خلفية سياسية حزبية .. ويقول عسكريون متقاعدون أن حراكهم يريدونه أن يبقى بعيداً عن الاستغلال السياسي!!.
بكل الأحوال، فقد ظهر أمس أن العسكريين المتقاعدين حرصوا وتقصّدوا أن تبدو تظاهرة أمس على أنها تظاهرة العسكريين المتقاعدين، بدليل انه في نهايتها صعد وفد يمثلهم للقاء الرئيس نجيب ميقاتي، وعرضوا عليه حصراً مطالب الضباط المتقاعدين، ووعدهم رئيس الحكومة بدراسة مطالبهم في جلسة الحكومة أول الأسبوع المقبل(!!)
ربما ميقاتي تقصد أن يضرب مع مطالب الضباط المتقاعدين موعد جلسة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل، حتى يعطي لهذه الجلسة التي يوجد رفض دستوري لعقدها من قبل غالبية المسيحيين، مسوغاً يقول أن “تهدئة الاعتراض الاجتماعي في الشارع”، هو أحد بنود الضرورة التي تبرر دستورياً عقد هذه الجلسة الحكومية بغياب رئيس الجمهورية.
والواقع أن أكبر خطأ ارتكبه الضباط المتقاعدين أمس هو أنهم اعتبروا تحركهم منفصلاً عن التحرك الاجتماعي الاعتراضي العام في البلد، والخطأ الثاني هو أنهم أرسلوا بنهاية التظاهرة وفدا يمثلهم فقط، لإسماع ميقاتي مطالبهم حصراً..
وتعتبر خطوة الضباط المتقاعدين هذه، بمثابة رسالة ليست لميقاتي الذي يعرف المتظاهرون العسكريون أنه يعرف مطالبهم، ولا ينقصه أن يعرفها حتى ينفذها، بل هي رسالة موجهة للإعلام بأنهم لا يريدون لغيرهم أن يظهر في الصورة الإعلامية لتظاهرة رياض الصلح أمس..
إن تظاهرة أمس تظهر من ناحية أن أزمة البلد لا تزال عند محطة ١٧ تشرين ٢٠١٩، حيث مطالب الناس عسكريين ومدنيين لا تزال موجودة في مكانها على يافطات المتظاهرين من دون تلبية لها أو حتى من دون تلبية الجزء اليسير منها؛ وتظهر من ناحية ثانية أن مشكلة الحراك لا تزال تراوح داخل مربع ما يمكن تسميته ب “الفصائلية”؛ أي عدم القدرة ليس على التوحد بين اطيافها، بل حتى على الائتلاف تحت يافطات عريضة؛ حيث أن العسكريين المتقاعدين يريدون إنشاء شارع اعتراضي عسكري خاص بهم؛ وأحزاب ومجموعات اليسار يريدون انشاء “سنديانة رياض الصلح الحمراء” التي لا يتسع ظلها لغيرهم؛ وكذا الحال بالنسبة للمجموعات الأخرى الليبرالية واليمنية والبيئة (الخ، ..)، والتي زاد عليهم اليوم “النواب التغيريون” الذين أصبحوا مجموعات رغم ان مجمل عددهم يفوق أصابع اليدين بقليل..
ان ما تقدم يكرر رسالة البلد الى اطياف الانتفاضة او “حراك ١٧ تشرين” بخصوص أنه ليس المطلوب منهم أن تتوحد مجموعات واتجاهات الحراك المدني، ولكن كل المطلوب منهم أن توحد “انتفاضة ١٧ تشرين” ومعها “انتفاضة ٤ آب” (اهالي شهداء تفجير المرفأ) ومعها “انتفاضة إنهاء الشغور الرئاسي” (الخ،..) و”انتفاضة النواب التغييريين”، شعاراتها، وأن تذهب للمواجهة بحد أدنى من برنامج مطالب الناس الوطنية والمعيشية المرحلية التي تتفق عليها ساحات الحراك..
والمطلوب أيضاً وأيضاً عودة النواب التغييرين إلى الشارع ليكونوا نواة عملية دمج بين انتفاضة الناس والانتفاضة الدستورية؛ وهنا يجدر التنبه لنقطة جوهرية وهي أن حراك ١٧ تشرين ليس انقلاباً مسلحاً ولا ثورة عنفية. بل هو “انتفاضة شعبية دستورية”؛ وهو عملية تغيير من داخل المؤسسات وليس من خارجها ووفق نهج تطبيق الدستور وليس الانقلاب على الدستور ..
.. وأيضاً يجدر التنبه الى ان قيادة هذا الحراك الدستوري ليست مشكلة من لجنة تمثل المتقاعدين العسكريين، ولا لجنة من قياديي أحزاب اليسار أو الليبراليين.. فقيادة الحراك هي مطالبه الجامعة التي تمثل مطالب الشعب، وهي مطالب معروفة ويحفظها المسؤولون المتربعون على السلطة عن ظهر قلب، وليس هناك حاجة لوفود من الحراك لتذكيرهم بها.
خلال الموجة الاولى من حراك ١٧ تشرين قال الرئيس ميشال عون انه يريد ان يأتي اليه إلى قصر بعبدا وفد يمثل الحراك ليقابله ويتفاوض معه على تحقيق مطالب الشعب.. فرد عليه الحراك ان وفدنا موجود عندك، وانت لا تستقبله ولا تنفذ مطالبه.. فردّ الرئيس عون: ليس صحيحاً .. لم يصل وفد من الحراك حتى الساعة الى قصر بعبدا .. فأجاب الحراك: ان وفد الحراك وقيادته هي مطالب الحراك الذي قالها الشعب في الساحات؛ فما عليك إلا أن تتفاوض مع هذه المطالب؛ وأنت تعرفها وهي محقة لأنها تتعلق ببديهيات تأمين شروط حياة المواطن.. وكل المطلوب منك فقط هو أن تنفذها.
الحراك عام ٢٠١٩ وعام ٢٠٢٠ لم يطلب من ميشال عون أن يرحل، بل طلب منه ان ينفذ الدستور ومطالب الناس، ولو فعل؛ لكان ميشال عون نفذ الدستور وفاوض مطالب الناس بالاستجابة لها، وكان وقف مع ارادة شعبه، ولم يخش ما سيضطر لدفعه شخصياً كثمن لوقوفه إلى جانب مطالب الناس!!.
ان الفكرة هنا التي تعبر عن حقيقة حراك ١٧ تشرين والتي لا تريد احزاب السلطة فهمها، ولا بعض أطياف الحراك الاعتراف بها، هي ان قيادة الحراك تتشكل من مطالب الحراك التي هي مطالب الناس بالكهرباء وبالدواء وبالمدرسة وبمحاكمة السارقين، وهذه كلها مطالب لا تحتاج الى قيادة كي تتفاوض مع السلطة من أجل تلبيتها، بل تحتاج إلى ثلاثة أمور:
الاول: وحدة البرنامج المرحلي الانقاذي للحراك، وتتمثل بنوده في ان يطبق المسؤول الدستور المكتوب؛ ويلبي احتياجات المواطن المعروفة، وان يسجن القاضي السارق وهو مكشوف.. وعليه ليس المطلوب وحدة اطياف الحراك؛ وايجاد قيادة بياقات بيضاء له، فالحراك لا يحتاج إلى قيادة كي تمثل مطالبه بل يحتاج لسلطة تنفذ مطالبه المعروفة؛ ويحتاج للجان تنسيقية تؤمن استمرار زخم شارع الحراك ضد السلطة حنى تنفذ الأخيرة كل مطالبه..
الأمر الثاني هو إدراك أطياف الحراك لحقيقة ان الهدف هو برنامج انتقالي واضح يتمثل بالمطالبة بحكومة من غير الفاسدين، وبرئيس جمهورية غير فاسد وثبتت بالتجربة شفافيته، ويتبنى العمل من أجل تلبية مطالب الناس بدل أن يفاوض عليها الناس ..
الأمر الثالث هو مراكمة الضغوط الشعبية من خلال دمج النضال الدستوري داخل البرلمان مع نضال الناس في الشارع، وذلك من اجل تطبيق الدستور بشكل شفاف حتى تتحقق المحاسبة التي من دونها لا يمكن اعادة بناء دولة لوطن، ولا يمكن بناء علاقة صحية بين المواطن والحاكم….