خاص الهديل :
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
لا يمكن لعاقل أن يقول أن الوضع الأمني في لبنان جيد، وذلك قياساً لما يحدث من جرائم في أميركا أو سرقات في بريطانيا، الخ..
ورغم أن هذه المقولة شائعة هذه الفترة على ألسنة مسؤولين أمنيين وسياسيين؛ غير أنها بحق تعتبر مقولة ساذجة؛ أولاً لأن مقاربة لبنان بأمريكا أو ببريطانيا أو حتى بجزر القمر هي نوع من التجاوز وحتى الهرطقة؛ فلبنان ليس له شبيه لجهة ما يحصل فيه مع أي بلد أو دولة في العالم. وثانياً لأنه لا يستقيم مع العقل الكلام الذي يتجرأ على القول أن بلداً كلبنان، يوجد فيه مليوني نازح هم بمثابة مليوني قنبلة موقوتة، ويوجد فيه نصف مليون لاجئ يقيمون في معسكرات لا تدخلها الدولة، ويوجد فيه نحو ٧٠ بالمئة من شعبه تحت خط الفقر ونسبة مماثلة من البطالة والعوز وتلاميذ خارج المدارس؛ هو بلد آمن ويمكن بثقة توقع أن لا يحدث فيه فوضى عارمة أو ثورة ساحقة!!.
إن مثل هذا التوقع أو التحليل أو التقدير الأمني، ينطبق عليه قول زياد الرحباني بأنه نوع من “التحشيش الأمني”، وهو لا يعتبر بأي حال تقديراً أمنياً يستند إلى عملية تحليل علمي ومنطقي.. وهو تقدير أقل ما يقال فيه أنه تبسيطي وآني ويأخذ بظواهر الأمور، ولا يستند إلى تحليل المعطيات المعتملة والعميقة والخطرة.
والأسباب التي تؤدي إلى شيوع “ظاهرة التحشيش الأمني في تحليل الواقع اللبناني الداخلي الحالي”؛ هي أسباب عديدة، منها أحياناً القصور العلمي الأمني والاجتماعي في استخراج تقدير موقف سليم للوضع الأمني؛ ومنها أن هناك جهات تريد عدم الاعتراف بالمشاكل حتى تبرأ نفسها من مسؤولياتها بمعالجتها؛ ومنها أن هناك أطرافاً وقوى تريد اختراع إنجازات وهمية لها ..
.. ولكن تحت قشرة الواقع؛ وأحياناً كثيرة فوق سطح الواقع المعاش، بدأت كل يوم تتبلور أكثر وأكثر ظواهر الخطر المحدق والداهم التي ما عاد يفترض استمرار السكوت عنها، وعدم التحرك المخلص لمقاربتها بحزم وشفافية وحكمة؛ كما أنه ما عاد يفترض الإستمرار بالتعامل معها على نحو خطر جداً، ومفاده اتباع أسلوب عدم مواجهة هذه المشاكل بجرأة، وبدل ذلك اتباع أسلوب الإختباء منها عن طريق عدم الاعتراف بها..
..ومن بين أهم هذه الظواهر الخطرة التي يواجهها البلد؛ هي ظاهرة وضع العسكر المتقاعدين بوجه العسكر الفعليين؛ وهنا يجب القول بصراحة أن هناك جهات سياسية تغذي هذا المشهد وهي تريد من ذلك “إحراق الغابة – البلد – حتى تشعل سيجارة”؛ وربما تقف وراءها جهات معادية للبلد تريد تشجيع الاحداث التي ترسم صورة تبرز فيها أن “الجندي الفعلي يقف بوجه الجندي المتقاعد”؛ وغايتها من ذلك شل آخر مؤسسة وطنية لا تزال تعمل في الدولة المطلوب انحلالها الشامل.
إن تصحيح هذا الوضع يجب أن يحصل بالسرعة التي تتناسب مع خطورة نتائجه؛ وهنا المبادرة يجب أن تكون سياسية وشعبية، كالمبادرة لتنفيذ أيام تضامن شعبي ووطني مع الجيش ومع قيادته وضباطه وجنوده. يجب عدم ترك الجيش يواجه أزمة من هذا النوع يختلط فيها ما هو اقتصادي واجتماعي وأخلاقي وحده، كما اعتاد المسؤولون أن يتركوه وحيداً يواجه أزمته المعيشية الخانقة؛ فالجيش ليس فقط لأبنائه، بل هو لكل الوطن.. وفي حال وصل الحاقدون والجهلة إلى هدفهم بإضعاف وحدة الجيش وتماسكه، فهذا يعني أن أعداء لبنان بلغوا نهاية حلمهم بإنهاء بلد الأرز..
إن اخطر ما في هذه الظاهرة هي انها تخدم فكرة تعميم معادلة التقسيم والفرز الذي يسود البلد الى داخل الجيش، وعندما فشلت المؤامرة عن ادخال سوسة الفرز الطائفي والذهبي إلى داخل الجيش وصفوفه تتم اليوم محاولة ادخال نغمة جندي بالخدمة وجندي خارج الخدمة وضابط ثوري وضابط غير ثوري تمهيداً للقول عنه ضابط خانع.. يجب التنبه الى ان هذا النوع من الخطاب بدأ يظهر بشكل علني على شاشات التلفزة ولا تتحرك اية جهة للتصدي له ..
..ومرة أخرى تجدر الإشارة إلى أن اخطر ما في هذه الظاهرة هو مقاربتها بأسلوب عدم اثارتها، وعدم الكلام بصراحة عن خطورة نتائجها..
ثانياً – هناك أيضاً ظواهر أخرى لها ذات خطورة المؤامرة التي يتعرض لها الجيش؛ وأبرزها الظواهر التالية: ظاهرة التعايش مع فكرة أن ٦٠ بالمئة من تلاميذ لبنان بلا مدارس، وأيضاً ظاهرة الواقع المعاش فعلياً ومفاده أن الحد الأدنى لمدخول النازح السوري هو ٤٠٠ دولار والحد الأدنى للمواطن اللبناني هو ٧٠ دولار، وأيضاً ظاهرة تعاظم تخلي الأونروا عن تقديم الإعانات المعيشية والخدماتية للاجئيين الفلسطينيين في لبنان، ما يعني تركهم فريسة لواحد من خيارين: إما الفقر المدقع مع ما يترتب على ذلك من نتائج أمنية مفتوحة، وإما جعلهم لقمة سائغة لاستقطابهم من قبل الجماعات الإسلامية التكفيرية المتطرفة.
إن كل واحدة من هذه الظواهر كفيلة بتفجير البلد اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً؛ فكيف الحال سيكون عندما تجتمع جميع هذه الظواهر حالياً في البلد؟!..