خاص الهديل:
داخل المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، هناك صورة نمطية لبنيامين نتنياهو الذي تسبق إسمه كنيته “بيبي”، ومفادها ثلاثة عناصر أو سمات أو مقومات:
السمة الأولى هي أنه مناور حاذق وله صفات الثعلب بامتياز.
السمة الثانية هي أنه يعيش داخل عائلة صغيرة تؤثر سياسياً عليه؛ وهي مؤلفة من زوجته سارة المستبدة تجاه رجال زوجها من السياسيين؛ ومن ابنه يائير العنيف بأسلوبه السياسي.
أما السمة الثالثة – وهي الأهم – فهي تقع في أن نتنياهو أو “بيبي” يؤمن بالعمل الأمني كبديل عن الحروب العسكرية.. فحرب التصفيات الأمنية (أي الاغتيالات) للرموز الأساسية من اعداء إسرائيل، يمكنها بنظر نتنياهو أن تحقق لتل أبيب الأهداف الكبرى التي تحققها الحروب العسكرية، وذلك من دون أن تضطر إسرائيل لأن تدفع الكلفة الباهظة للحرب العسكرية.
ويخوض نتنياهو حرب تصفيات أمنية ضد رموز التقدم النووي الإيراني منذ أكثر من عقد تقريباً من الزمن؛ كما أنه بقرار شخصي منه تطارد الموساد عبر العالم مسؤولين في الحرس الثوري لديهم مهام أمنية داخل فلسطين المحتلة!!.
وفي هذه المرحلة؛ ووفقاً لسيل من التسريبات الصحفية المتداولة في الإعلام العبري وعشرات التصريحات المنسوبة لقادة أمنيين وعسكريين إسرائيليين سابقين وحاليين، فإن نتنياهو يحضر لجولة تصفيات أمنية ضد ما يمكن تسميته بالبيئة العملياتية المشتركة بين كل من حماس وحزب الله، وخاصة منها تلك التي تنشط في الضفة الغربية.
ومن أبرز الدلائل التي يجري تقديمها في الإعلام الإسرائيلي على أنها شواهد واضحة على وجود تحضير من قبل نتنياهو للبدء بجولة اغتيالات جديدة ضد الرموز الأساسية المسؤولة عن بناء وقيادة البيئة العملياتية المشتركة بين حماس – حزب الله، هي أولاً تقدم نتنياهو مؤخراً بطلب من كل وزراء حكومته بالتوقف عن الإدلاء بأية تصريحات توحي عن قريب أو بعيد بوجود نية لدى إسرائيل للبدء بحملة اغتيالات ضد قادة لهم صلة بعمليات ضد إسرائيل تنسقها حماس وحزب الله، وتجري داخل فلسطين المحتلة. ولا يستطيع “بيبي” بالعادة منع وزرائه من الكلام في أي موضوع، إلا إذا حصل على إذن بفرض هذا المنع من المستوى الإستخباراتي الإسرائيلي. وعليه يمكن القول أن نتنياهو يفرض اليوم “صمتاً أمنياً” على كل كلام إسرائيلي يتحدث عما ينوي “بيبي” فعله أمنياً ضد حماس وحزب الله، وذلك ارتباطاً بالرد الأمني الذي ستعتمده إسرائيل للرد على أحداث المقاومة الأخيرة في الضفة والقدس وعلى “طريق مجدو”..
ثانياً- بمقابل هذا الصمت الأمني الذي يفرضه “بيبي” على وزرائه، فإن المخابرات الإسرائيلية تتقصد أن تسمح بتسريب بعض المعلومات شديدة السرية التي تؤكد وجود “تنسيق مشترك” بين حزب الله وحماس لشن هجمات مشتركة داخل فلسطين المحتلة. وأبرز ما تحاول إسرائيل التركيز عليه إعلامياً في هذا المجال، هو ما بات يعرف إصطلاحاً في الخطاب السياسي والأمني الإسرائيلي “بعبوة مجدو”.
ومؤخراً كتبت “يديعوت احرنوت” تقول أنه بناء على معلومات استخباراتية تم السماح بنشرها، فإن الشخص الذي تسلل من لبنان ووصل إلى مفترق مجدو على بعد حوالي ٧٠ كلم من الحدود، وفجّر عبوة ناسفة كبيرة أصابت مستوطناً من قرية سالم بجروح، كاد أن يهرب ولكن تم قتله. وقالت الجريدة الإسرائيلية أن قيادة المنطقة الشمالية لديها كل المعلومات عن كيفية التسلل وهي ستعرف كيف ستمنع تكررها مرة ثانية؛ ورغم أن إسرائيل لا تتهم علناً حزب الله بالمسؤولية عن هذا التسلل إلا أن القيادة الإسرائيلية متأكدة من أن الحزب يقف وراء العملية.
الخلاصات التي أراد نتنياهو الإيحاء بها من وراء تسريب أخبار “عملية مجدو “، هي:
أولاً- ان حزب الله نجح بفضل تشاركه مع حماس بالوصول إلى قرب مدينة جنين الفلسطينية، وعليه لم يعد الحزب يكتفي بتهديد بلدات قريبة من الحدود اللبنانية كنهاريا ومسكاف عام، الخ.
ثانياً- ان إيران – حسب معلومات سمحت المخابرات الإسرائيلية بنشرها – دفعت لحزب الله ٧٠٠ مليون دولار في السنة، ودفعت لحماس ١٠٠ مليون دولار في السنة. وتعلق إسرائيل على هذا الأمر بالقول أنه يُعد تحولاً دراماتيكياً لأنه في الماضي القريب كانت هذه الأموال الإيرانية تحول إلى الجهاد الإسلامي، وليس إلى حماس؛ ولكن هذا التغيير يثبت أن طهران تقف بقوة وراء توثيق العلاقة العملياتية بين حزب الله وحماس وتوجيه عملهما العسكري والأمني تجاه الداخل الإسرائيلي.
ثالثاً- ان إسرائيل تنظر بجدية – أو أقله هكذا تريد الإيحاء – إلى خطة توحيد الساحات ضد إسرائيل، خاصة بين حماس وحزب الله..
وخلال الفترة الأخيرة كثف الإعلام الإسرائيلي، وأيضاً إعلام غربي مؤيد لإسرائيل، من الحديث عن أن هناك علاقة وثيقة ومخلصة بين رجلين، هما المسؤولان عن ما تشهده إسرائيل حالياً من تطور عملي يربط بين جهدي حماس والحزب العسكري داخل الضفة الغربية.. وهذان الرجلان هما الشيخ صالح العاروري الرجل الثاني في حركة حماس والمتخصص بعمل حماس العسكري في الضفة الغربية كونه من سكانها؛ والسيد حسن نصر الله واضع استراتيجية أن ظروف إسرائيل المتخلفة تسمح لكل من حماس حزب الله أن يقودا في هذه المرحلة معركة استفزاز معادلة الردع الإسرائيلية من دون خشية تبعات ذلك العسكرية..
نتنياهو يعتبر أن معركته ضد توجه العاروري ونصر الله لإنشاء استراتيجية وحدة الجبهات، يمكن مواجهتها من خلال شن الحرب الأمنية الكبرى وليس العسكرية الكبرى؛ ومفادها اغتيال رمزي خطة ربط الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وتوسيعهما لتشملا الساحة السورية، وهما نصر الله والعاروري!؟.