خاص الهديل
…
في خطوة لم تكن متوقعة للكثير من المراقبين، سارعت إدارة بايدن لتتدخل في الأزمة السودانية، طارحة مبادرة عملية لوقف القتال بين عبد الفتاح البرهان (قائد الجيش السوداني) وحميدتي (دقلو – قائد الدعم السريع).
واللافت في المبادرة الأميركية أنها اتخذت من السعودية شريكاً لها في السودان، ولم تعط مصر أية شراكة في مبادرتها؛ علماً أن السودان هي تاريخياً جزء من مصر؛ ولها حدود مشتركة معها، وهناك مصاهرات بعشرات الآلاف بين المصريين والسودانيين..
والواقع أن الملاحظة هنا لا تتوجه نحو لماذا قررت إدارة بايدن اتخاذ الرياض شريكة لها في إطفاء الحريق السوداني؛ ذلك أن السعودية منذ بدء الحرب بين دقلو والبرهان إضطلعت بأدوار عديدة لامتصاص نتائجها السلبية، كمثال إطلاق رحلات سعودية مفتوحة لنقل اللاجئين من السودان من كل الجنسيات؛ وعليه فإن الملاحظة هنا هي حول لماذا لم تحاول واشنطن إضافة مصر لهذه الشراكة(؟؟)، بل بكلام آخر لماذا تقصدت إدارة بايدن إبعاد مصر عن هذه الشراكة(؟؟)، ويصبح هذا السؤال أكثر إلحاحاً، فيما لو تم استعادة التحليل الذي واكب أحداث السودان خلال الأسبوع الأول من اندلاعه؛ ومفاده أن واشنطن قد تكون أشعلت النار السودانية انتقاماً من القاهرة التي تتهمها إدارة بايدن بأنها باعت صواريخ إلى روسيا كي تساعد بوتن في الحرب الأوكرانية..
وبكل الاحوال فإن الوضع الراهن يشهد “زحمة” مبادرات إقليمية وعربية ودولية تحاول التدخل لحل الأزمة السودانية، ولكن ضمن كل هذه المبادرات، تحتل المبادرة الأميركية السعودية مكانة متقدمة.. وصار واضحاً أن من بين الأفكار الرئيسية التي تحرك واشنطن للقيام بمبادرة سريعة وعملية في السودان، توجد الأفكار الأساسية التالية:
الفكرة الأولى هي رغبة بايدن بالتدخل على نحو مبكر في السودان؛ بهدف قطع الطريق على روسيا ومنعها من تثبيت نفوذها في ذاك البلد المهم في محيطه الأفريقي بخاصة.
الهدف الثاني يحتوي مجموعة أهداف ويمكن لحظها من خلال قراءة كيف نظرت إدارة بايدن للواقع السوداني كما تجسد في الفترة الأخيرة.. وكانت هذه القراءة على الشكل التالي:
– رأت إدارة بايدن أن أخطر ميزة لصراع العسكر في السودان، هو أنه صراع يجري في لحظة يوجد فيها تنافس وتسابق وصدام دولي حول العالم بين الصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة والغرب من ناحية ثانية. وتعتبر أفريقيا هي إحدى ساحات التنافس في هذا الصراع، خصوصاً بالنسبة لكل من روسيا وأميركا.
ومن ناحية ثانية رأت إدارة بايدن أنه داخل هذه الصورة العامة والدولية للمشهد السوداني، توجد جزئية أن مصر التي تدعم معادلة الحفاظ على قوة الجيوش العربية وعدم فرطها، تدعم بقاء الجيش السوداني قوياً، ولا تشجع التمرد عليه من أية قوى سودانية أخرى، بما فيها قوات الدعم السريع..
..وبالأساس فإن واشنطن كان ولا يزال لديها مصالح مع عبد الفتاح البرهان، وطالما أرادت استمرار دوره السوداني، ولكن ما أزعج إدارة بايدن منه (أي من البرهان) مؤخراً، هو فشله في احتواء الثورة المدنية في السودان والتي بدأ دقلو (قائد الدعم السريع) يتظلل بشعاراتها التي تدعو إلى تسليم السلطة للمدنيين..
ولم يكن خافياً للمتابعين للموقف الأميركي أن الأخيرة رأت أن ضعف البرهان لصالح دقلو الذي بدوره لديه علاقات مع إسرائيل وأميركا ودول عربية، ليس في مصلحة واشنطن؛ ذلك أن دقلو تربطه بموسكو وبجماعة فاغنر علاقة وثيقة..
..وأمام هذه الخارطة السودانية، باتت واشنطن تخشى من أن يكون رهانها على البرهان قد فشل بالكامل بعد عجزه عن مواجهة الاستحقاقات الداخلية، وبضمنها نقل السلطة للمدنيبن .. وأكثر من ذلك باتت واشنطن تخشى أن يتسلل الروس إلى السودان من ثقوب الفشل في ثوب البرهان من ناحية، وبالاعتماد على علاقاتها مع دقلو ومع بيئات داخل الحيش السوداني الذي كل سلاحه شرقي حتى الآن من ناحية ثانية..
وكل هذه المعطيات الواردة اعلاه، دعمت استنتاجاً يقول أن إدارة بايدن بمواجهة كل هذه التحديات السودانية، أطلقت مبادرة ترمي لتحقيق ثلاثة أهداف في وقت واحد:
الهدف الاول هو أن تؤدي مبادرتها إلى إسقاط المبادرة المصرية. فواشنطن لأسباب ذات صلة بعدم ارتياحها من عقيدة مصر المصرة على الحفاظ على الجيوش العربية في سورية، وليس فقط في السودان، ولأسباب ذات صلة أيضاً بالوضع الأوكراني ووجود روسيا في أفريقيا؛ لا تريد السماح لمصر بأن تؤدي دورها الطبيعي في السودان.. ولذلك عمدت إدارة بايدن إلى الاستنجاد بالسعودية لتعوض فقدانها للدور المصري في مبادرتها، خاصة وأن الرياض مواكبة للأزمة السودانية منذ فترة، وكان لها إسهاماتها في تخفيف وطأة المشاكل داخل السودان.
الهدف الثاني هو إطلاق مبادرة تتبنى عملية عسكرية لوقف النار، تتم تحت إشراف واشنطن.. ومن هنا فمن المتوقع أن تنتهي الجولة الأولى من مفاوضات ممثلي دقلو – البرهان في جدة، على الاتفاق على نشر مراقبين دوليين لمراقبة سريان الهدنة، وفتح خطوط انسانية داخل مناطق القتال في السودان؛ على أن تضمن واشنطن فرض عقوبات على الجهات التي تتسبب بانهيار الهدنة..
..وتريد إدارة بايدن من خلال التواجد كمراقب عسكري في السودان عبر نشر مراقبين لمراقبة الهدنة، مراقبة عدم دخول فاغنر والروس عسكرياً إلى هذا البلد ..
الهدف الثالث يتمثل بأن فشل البرهان في احتواء الثورة المدنية، وتنصله من هدف نقل السلطة للمدنيين، أحرج إدارة بايدن داخل الحزب الديموقراطي من جهة، ورسم شكوكاً لديها حول إمكانية أن ينزلق الوضع السوداني باتجاهات معاكسه لما تريده واشنطن في أفريقيا من جهة ثانية.
..ومن السيناريوهات التي أقلقت واشنطن هو حصول فراغ دستوري في السودان في ظل إصرار البرهان على عدم نقل السلطة للمدنيين ورفض الشارع لحكم البرهان؛ وهذا الوضع كان سيجعل إدارة بايدن محرجة في استمرار دعم البرهان، ما أثار قلقها من تركه يسقط قبل أن ترتب مشهد بديله السياسي والعسكري.. والواقع أن كل هذه المخاوف قادت إدارة بايدن إلى ترتيب سقوط البرهان او أقله إعادة تنظيم أهدافه السودانية وفق خطة أميركية لمجمل الوضع السوداني.. وأيضاً تنظيم انقلاب دقلو وجعله يجري ضمن لعبة ضغط واشنطن على البرهان، وليس ضمن لعبة الرهانات الروسية عليه..