خاص الهديل
يريد معظم العرب القول أن القمة العربية الحالية التي ستعقد في المملكة العربية السعودية، هي بداية مرحلة عربية جديدة.. أي أنها قمة استعادة العرب لثقافة التحاور والتنسيق فينا بينهم، وتصفير مشاكلهم البينية؛ وهي أيضاً قمة استعادتهم لفاعلية القمم العربية كما كان واقعها لحد ما قبل العام ٢٠١١؛ وكما كان واقعها قبل دخول العرب حالة التشرذم نتيجة اتساع جبهات خلافاتهم..
وهناك في الواقع معطيات تشجع المراقبين على النظر بجدية إلى أن القمة العربية الراهنة ليست كالقمم السابقة التي عُقدت خاصة خلال العقد الاخير، والتي كان كل الهدف من عقدها هو الاحتفاظ بالصورة التي توحي بأن العرب لا يزال لديهم مناسبة إسمها القمة العربية.
..وأحد المعطيات التي تبشر بأن قمة هذا العام ستكون فعالة؛ هو فكرة تنتشر في دنيا العرب ومفادها أن القمة العربية للعام ٢٠٢٣ ستكون قمة تنصيب السعودية وسط تأييد عربي، كمركز للثقل السياسي العربي الرسمي..
ويجدر بخصوص هذه النقطة لحظ جملة اعتبارات:
أولها أنه صحيح أنه على مر الزمن العربي المعاصر، كانت السعودية تقع داخل مركز الفعل العربي؛ ولكنها لم تكن هي كل مركز الفعل العربي؛ أو بالأحرى لم يكن هناك إجماع على أنها لوحدها تمثل مركز الفعل العربي الأساس. ولكن ما تغير اليوم، هو أن هناك حاجة عربية في هذه المرحلة، لأن يعطي العرب السعودية موافقتهم على أن يكون لها موقع متقدم في قيادة الفعل العربي الرسمي..
وفي هذا المجال يظهر بوضوح أن الدول العربية بمعظمها تعاني من أزمات اقتصادية وجيوسياسية حادة؛ وهي بمعظمها بحاجة لأن تتفرغ لمواجهة تحدياتها الداخلية، وبنفس الوقت هي تخشى مما يدور حولها وفي العالم من أزمات لا يمكن إدارة الظهر لها.. وهناك ما يشبه الإقرار العربي بأن الدولة العربية الوحيدة تقريباً التي تملك الاستقرار الداخلي من جهة وتملك وسائل التدخل خارج حدودها للدفاع عن مصالحها ومصالح الأمن العربي من جهة هي السعودية؛ فيما الدول الأخرى تملك الإرادة ولكنها لا تملك وسائل التدخل خارج حدودها.
الاعتبار الثاني أو المتغير الجديد، يكمن أيضاً في أن العرب تاريخياً توزعوا بين تيارات الثقل الناصري والسعودي والبعثي السوري والعراقي وأحياناً لعبت الجزائر دور قطب عربي فاعل، الخ..
..حالياً تبدو الصورة على مستوى مركز الثقل العربي تملؤه بشكل أساسي، السعودية، ومعها دول عربية تقف إلى جانبها، بأكثر مما هي تقف بموازاتها أو بمقابلها. والمقصود هنا أن أزمات المنطقة الراهنة وأزمات دولها وتداخلها مع أزمات العالم؛ جعل هناك حاجة عربية للثقل السعودي الاقتصادي والإسلامي والعربي والأممي. والأهم من ذلك أن هذه الحاجة لمعظم الدول العربية؛ تزامن مع لحظة يوجد فيها للسعودية رؤية جديدة لموقعها ولدروها ولشخصيتها الداخلية والاقليمية والعالمية؛ والبعض يطلق على هذه رؤية ٢٠٣٠؛ والبعض يطلق عليها رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والبعض الثالث يطلق عليها رؤية المملكة الثانية التأسيسية الجديدة.. وعلى هذا فإن القمة العربية ستكون بجزء هام من خلفياتها هي قمة تعرّف العرب على المملكة العربية السعودية التأسيسية الجديدة..
الاعتبار الثالث: ما يجعل السعودية تبدو في موقع أنها تستضيف قمة صدارة موقعها العربي الجديد، وليس فقط أنها مجرد بلد يستضيف القمة العربية بموجب تسلسل أول حرف من اسمها، هو التالي: هذه المرة السعودية تستضيف قمة العرب في السعودية وليس قمة أميركا مع العرب في السعودية كما حصل لمرتين متتاليتين خلال الأعوام الأخيرة..
بمعنى آخر، فإن السعودية تدعو العرب ليقولوا كلمتهم حول مشاكلهم ومستقبلهم، وحول مشاكل العالم ومستقبله، من السعودية؛ فيما العالم وبضمنه واشنطن، سيكون معنياً بالاستماع لما سيقوله العرب من السعودية.
السعودية لا تستقبل في القمة العربية بعض العرب أو أغلبية العرب بل كل لدول العربية الـ٢١ من دون نقصان؛ بما فيهم سورية..
القمة العربية في السعودية تعقد في ذروة طموح سعودي هائل؛ يوجب عليها (أي على السعودية) حاجة هائلة لدعم وتمويل الاستقرار في محيطها العربي والإسلامي والاقليمي، ولكن وفق قواعد استثمار المصالح المشتركة وليس تقديم الهبات الضائعة.
ومن هنا يمكن القول أن السعودية لها مصلحة في قيادة العالم العربي، ولكن إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي وتصفير المشاكل وبناء علاقات جديدة تطوي صفحة اخفاقات الماضي السياسية والثقافية والنمطية البالية.
بكلام آخر ان رؤية ٢٠٣٠ هي مشروع سعودي جبار، ولكن احتياجات نجاحه جعله مشروعاً عربياً بكل ما للكلمة من معنى.. ومن هنا لا يمكن للرياض في المرحلة المقبلة، حتى لو أرادت عكس ذلك؛ إلا أن تكون عاصمة لكل العرب؛ بمثلما هي عاصمة للسعودية.
والسؤال اليوم هل تنجح القمة العربية في السعودية بترجمة بدايات هذا الطريق العربي الجديد؟؟..