خاص الهديل،،،
يقول نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أنه بدأ انطلاقاً من أول أمس “القسم الثاني” من مبادرته التي يسميها “بالرئاسية”.
.. وعلى الطريقة اللبنانية، فإن خطة بو صعب هي أنه “بداية يجتمع بمراجع الأزمة حتى يحصل منهم على مفاتيح الحل”؛ ثم يعمد بو صعب في المرحلة الثانية من “مبادرته” إلى “تصنيف هذه المفاتيح التي جمعها وفق أحجامها” ويبدأ رحلة البحث عن “إيجاد باب موصد لكل مفتاح” توصلاً لفتح كل أبواب الأزمة وإعلان الحل التاريخي للأزمة التي لولا مفاتيح بو صعب التي جمعها مفتوحاً بعد مفتاح من مراجع الأزمة، لظلت صعبة وموصدة “وغير محلولة”..
بهذه الطريقة يمكن لأي مراقب غير متحامل على بو صعب أن يفهم مبادرته كما شرحها هو ذاته.. والواقع أن دولة الرئيس بو صعب يضع نفسه ويضع مهمته في مشكلة صعبه لعدة أسباب؛ قد يكون الأفضل اختصارها بالنقاط التالية:
أولاً- يقول بو صعب أنه صاحب “مبادرة رئاسية”؛ والواقع أن توصيفه لحركته مبالغ فيه لحد كبير، فكان أفضل لـ بو صعب حتى يبدو واقعياً ومقنعاً أن يستبدل مصطلح “مبادرة” بمصطلح “اتصالات”؛ وأن يستبدل كلمة “رئاسية” بشطب كل هذا “المصطلح” – أي رئاسية – من تداوله في وصف اتصالاته..
..والواقع أن بو صعب كان سيبدو أقله مفهوماً لمن يريد أن يتابع حركته، لو قال أنه يقوم باتصالات سياسية داخلية بموضوع رئاسة الجمهورية… لأنه حتى يمكن لأية جهة أن تستعمل مصطلح “مبادرة وساطة رئاسية”؛ فإن ذلك يحتاج لأن تمتلك كماً من النفوذ لا يدعي بو صعب ذاته أنه يملكه؛ ويحتاج لامتلاك وسائل وأدوات لاستخدامها بغرض تنفيذ هذه المبادرة الرئاسية، لا يقول بوصعب ذاته انها بين يديه..
.. فمثلاً – ولو من باب “تكبير الحجر” – فحينما يقال أن الرئيس الأميركي بايدن لديه “وساطة مبادرة رئاسية”؛ فإنه للتو تبرز في خلفية هذا الكلام مشاهد الأسطول السادس وهو يمخر عباب البحار ومعها مشاهد الفيتو الأميركي والعقوبات وسعر صرف الدولار، الخ..؛ وحينما يقال أن الرياض لديها مبادرة وساطة رئاسية تنفتح مخيلة اللبنانيين والعرب على ذاكرة دور المملكة في إنتاج اتفاق الطائف ومعادلة السين سين، الخ… أما لو قال بو صعب أن لديه “مبادرة وساطة رئاسية”، فإنه “سيصعب على بو صعب” إقناع اللبنانيين بما يقوله في هذا المجال..
وأصل النقاش هنا لا يتعلق بالتشكيك بنوايا بو صعب البيضاء؛ ولكن يعود للالتباس الذي يتركه اللون الرمادي الذي يكتنف واقعية حركته واتصالاته التي يسميها بالمبادرة الرئاسية ذات الأقسام الإثنتين حتى الآن…
ثانياً- هناك بالجوهر وبالشكل مشكلة تواجه “صفة” بو صعب أنه وسيط في الاستحقاق الرئاسي؛ ذلك أن الوسيط يجب أن يكون على مسافة واحدة من كل الأطراف والشخصيات المعنية بالموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر وبشكل معلن أو غير معلن.. بينما بو صعب أقله لديه مشكلة مع أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية وهو لا يخفي هذه المشكلة.. والحال هنا يصبح أن بو صعب بحاجة لوساطة داخل وساطته لإصلاح ذات البين بينه وبين أبرز المرشحين للرئاسة، حتى يصبح لديه فنياً صفة أنه وسيط مقبول في ملف رئاسة الجمهورية..
وبالمحصلة فإن أحداً لا يقول أن على دولة الرئيس بو صعب أن لا يتابع اتصالاته السياسية بين القوى اللبنانية من أجل خلق دينامية داخلية تؤدي الى تخفيف أجواء القطيعة السياسية الداخلية، وتشجع على بروز مشتركات بين الأفكار والحيويات السياسية؛ حيث أن هذا الجانب من حركة بو صعب مقدر ولا يصعب فهمه، بل انه محمود ويصعب عدم تشجيعه.. ولكن بالمقابل مطلوب تصحيح المصطلحات في التصريحات، وأحياناً العودة عن بعض التصرفات السياسية، حتى يصبح الكلام منسجماً مع المستطاع..