خاص الهديل:
كان يستطيع سليمان فرنجية خلال إطلالته أمس أن يكون مقنعاً أكثر، لو أنه ركز في خطابه بمناسبة إحياء ذكرى مجزرة إهدن على قضيتين اثنتين:
القضية الأولى تتمثل بأن يطرح فرنجية سؤالاً محدداً ومباشراً، وهو لماذا الزعماء المسيحيون يخصونه بشكل خاص بكره أعمى؟؟..
..بمعنى آخر كان يمكن لفرنجية أن يوجه السؤال الشهير للرأي العام المسيحي، وهو لماذا الزعماء الموارنة يكرهونني؟ ولماذا لا يجتمعون على أي شيء، إلا على كرهي؟؟ ولماذا لا يعاقبهم ضميرهم تجاه أنني مرشح التسامح عن الدم الذي سُفك في إهدن؟؟.
وكان يمكن لفرنجية من هذه العناوين وليس عبر غيرها الدخول إلى عملية إيضاح أن السبب الذي يعلنه الزعماء المسيحيون لتوحدهم ضد ترشحه لرئاسة الجمهورية، والمتمثل بعلاقته بحزب الله، ليس صحيحاً؛ بدليل أن أقوى المعارضين لترشحه اليوم كانوا دعموا بالأمس ترشح ميشال عون للرئاسة؛ علماً أن عون وقع اتفاق تحالف استراتيجي مكتوب مع حزب الله، فيما فرنجية ليس بينه وبين حارة حريك أي اتفاق تحالفي مكتوب.. أما فيما يخص باسيل فإنه يعارض ترشيح فرنجية، ليس لأنه حليف حزب الله، بل “لكونه فرنجية”!!.
وكان فرنجية يستطيع القول أن السبب الحقيقي للتوحد المسيحي ضده يتمثل بالأساس في أن معظم المراجع والزعماء المسيحيين يخافون من ماضي سليمان فرنجية، وليس من علاقة سليمان فرنجية مع حزب الله الذي تحالف معه أكبر زعيم مسيحي بعد الطائف.
..وكان يمكن لفرنجية أن يفترض أن هناك حالة “فوبيا” مسيحية سياسية من ماضي فرنجية، تتمثل أولاً بالخوف من إيقاظ ذاكرة شاهد الدم الذي تم سفكه في زغرتا؛ وثانياً: التوجس من إيقاظ عقدة الذنب المسيحية الجماعية الناتجة عن السكوت على تحقيق العدالة في مجزرة إهدن؛ وثالثاً: الخوف من أن وصول سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية سيظهر صورة للعالم توحي بأن الضحية انتصرت على زعامات العنف الدموي المسيحي التاريخي!!.
القضية الثانية التي كان يمكن لفرنجية التركيز عليها في خطابه أمس، هي تكرار عبارة “أنا سامحت وأمد يدي إلى اخوتي المسيحيين”؛ كما مدّ يوسف يده حينما أصبح ملكاً إلى إخوته الذين رموه بالبئر..
كان يستطيع فرنجية أن يصور أن انتخابه لرئاسة الجمهورية، سيعني للعالم وللمجتمع المسيحي، أن المسيحيين يصححون صفحة من تاريخهم المظلم (المجازر بحق بعضهم البعض)، وأنهم يعالجون أخطاء الدم بالمحبة والمغفرة والتعويض عن الخطيئة، وأنهم قرروا أن يدخلوا لحظة إعلان انتصارهم على البغيضة فيما بينهم لمصلحة بدء مرحلة التسامح المسيحي في لبنان، وذلك من أجل وحدتهم ومن أجل بدء صفحة جديدة من العلاقات المسيحية اللبنانية تقوم على تعاضدهم في ظرفهم الصعب..
..غير أن فرنجية بالأمس لم يفعل ذلك؛ وبدل أن يغلب على خطابه طابع شخصية المرشح الذي لديه دون غيره من المرشحين مصداقية حمل رسالة التسامح بين المسيحيين؛ فإنه انساق وراء السجية الزغارتاوية التي تهوى الانفعال حينما تستفز..
..وخلاصة القول هنا، أن فرنجية لم يستعمل في خطاب ترشحه أمس ورقة القوة الوحيدة التي يملكها، وهي واقع أنه سامح خصومه المسيحيين الذين قتلوا أهله، وذلك لأن كل سياسته تقوم على أنه بطل التسامح المسيحي، وعلى شعار أن التسامح والتعاضد يبني مستقبل المسيحيين في لبنان، وليس البغيضة والثأر.. وبدل أن ينحو أبو طوني بخطابه أمس الى هذا المعنى، فإنه ذهب للإنغماس بكلام من نوع السجال اللبناني الهجومي الذي يبرز خاصة بين موارنة موسم الانتخابات الرئاسية.
وإذا كان هناك – كما ورد آنفاً – قضيتان يجب على فرنجية التركيز عليهما في حملته الانتخابية؛ فإن هناك أمر آخر يجب عليه الإبتعاد عنه، وهو الكف عن القول أن ميزته – أي ميزة فرنجية – تكمن في أنه يستطيع تجيير علاقته مع حزب الله من أجل أخذ الأخير إلى تنازلات في لبنان..
والواقع أنه ليس هناك لبناني واحد يصدق أن فرنجية قادر على أخذ حزب الله بالسياسة إلى مواقع لا يريد الحزب أن يكون فيها.. والحق يقال أن سمير جعجع محق حينما يقول أن ميشال عون الذي كان يملك أكبر كتلة نيابية، وكان يملك شبه إجماع مسيحي على رئاسته، لم يستطيع أن يغير حرفاً واحداً من سياسة حزب الله في لبنان؛ وعليه فهل يمكن لفرنجية بمكانته المتواضعة مسيحياً، أن ينجح حيث لم يستطع عون!!.
وبالنهاية يجب الاعتراف بأن فرنجية يملك ورقة قوة وحيدة، وهي أنه بالنظر لظروف العنف التي مرت به عائلته، يمكن له أن يكون مرشحاً يرمز إلى استيقاظ فضيلة التسامح السياسي المسيحي في لبنان.. ولكن هذه الورقة يتم إهمالها، بسبب أن فرنجية يبحث عن رئاسة مصدر قوتها من الثنائي الشيعي، أي من خارج المعادلة المسيحية؛ فيما خصومه الموارنة ليسوا بوارد السعي لدى خصومهم لنيل السماح منهم، كون التاريخ بالنسبة إليهم هو مواصلة الاشتباك، خاصة في فترات الصراع على نيل لقب فخامة الرئيس..