خاص الهديل:
منذ تمت إحالة هنري كيسنجر على التقاعد، انتهت داخل عالم العمل الدبلوماسي والمبادرات السياسية لحل الأزمات؛ المقولة التي شاعت في العالم عن “الموفد الدبلوماسي صاحب المواهب الخارقة” الذي بإمكانه حل المشاكل ذات التعقيدات الموضوعية والتاريخية العميقة، بالاعتماد على فطنته الاستثنائية..
وانطلاقاً من تطبيقات هذه النظرية، يمكن الاستنتاج، أو حتى يمكن القول بكثير من الثقة، أن زمن معجزات الموفدين انتهى، وأن لودريان يأتي في وقت انتهى فيه الزمن الذي تحل فيه أزماته بالاعتماد على مواهب الموفدين؛ ذلك أن الوقت الحالي هو زمن التعامل مع موازين القوى وهو زمن الدخول إلى الأزمات من أبوابها الكبيرة، وعبر مواجهة حقائقها، وليس التسلل إليها من شبابيكها الضيقة ومن خلال تدويير زواياها..
..ولكن، لماذا الآن يتم استذكار هذه المقولة عن انتهاء زمن الموفدين من أصحاب المعجزات؟؟..
..ببساطة، لأن زيارة لودريان الأخيرة إلى لبنان، وقعت في نفس خطأ زيارات ماكرون الأولى إلى لبنان، حيث إنه في كل هذه الزيارات تم الاعتماد على أهمية الزائر والهالة المعنوية العالقة به، لإحداث صدمة تؤدي إلى اختراق في الأزمة اللبنانية، وذلك بدل أن يتم الإعتماد على إجراء تحضير سياسي جيد لهذه الزيارات بغية تمكينها عند حصولها من إيجاد مداخل الحلول الواقعية والموضوعية.
إن كل السلاح الذي زود فيه ماكرون موفده لودريان إلى لبنان، هو الإشادة الضخمة بتاريخه الناجح مع الخليج ومع دول أخرى حينما كان وزيراً للدفاع، وأراد ماكرون أن يحيط لودريان لحظة تعيينه بمهمته اللبنانية، بهالة تصوره على أنه سوبرمان دبلوماسي قادر أن ينجح حيث فشل سلفه الموفد الفرنسي.
والواقع أن عيب دبلوماسية ماكرون في لبنان، يكمن في أنه يكرر نفس الأسلوب الفاشل الذي اتبعه – هو ذاته – أول مرة، وذلك حينما جاء إلى بيروت بنفسه متصوراً أن وجوده الشخصي ومشاركته المباشرة بالاتصالات باللبنانيين وبالحل، سيؤمن ٩٠ بالمئة من عوامل نجاح مبادرته؛ ولكن ماكرون اكتشف أن الوحل اللبناني استنزف رصيده الشخصي بسرعة لافتة..
وحالياً يحاول لودريان أن لا تستنزف رصيده الوحول اللبنانية؛ رغم أن ماكرون يدفع به لتكرار نفس تجربته الفاشلة..
وداخل الأجواء الدبلوماسية الفرنسية يسود انتظار لمعرفة ما إذا كان لودريان سينجح في تجنب الغرق في نفس المستنقع اللبناني الآسن الذي غرق به ماكرون حينما أخذ وعداً من الزعماء اللبنانيين في اجتماعه معهم في قصر الصنوبر، ومن ثم الحنث بهذا الوعد من قبلهم قبل صياح الديك؟؟.
والسؤال الذي يتم طرحه هنا في لبنان، وأيضاً في أوساط داخل الخارجية الفرنسية، هو عما إذا كان هناك أسباب جوهرية جعلت لودريان يحدد منتصف تموز كموعد لعودته الى لبنان؛ حيث يبرز بهذا الخصوص السؤال الاساس التالي: ما الذي سيتغير على معطى الواقع اللبناني من الآن حتى منتصف تموز؟؟.. وإذا كان كل شيئ سيبقى على حاله، فلماذا سيعود لودريان إلى لبنان بعد ١٥ الشهر المقبل(؟؟).. واستدراكاً هل تتحمل مهمة لودريان اللبنانية زيارتين متتاليتين فاشلتين؟؟.
وخلال الأيام الأخيرة التي تلت مغادرة لودريان لبنان، تسربت من باريس معطيات يجدر التوقف عندها، وهي تتحدث عن خفايا تتعلق بالأسباب التي دعت ماكرون لتكليف لودريان بالملف اللبناني.
وتلفت هذه المعطيات إلى ضرورة التنبه إلى أن تعيين لودريان موفداً رئاسياً إلى لبنان، جاء بعد أيام قليلة من زيارة الكاردينال الراعي إلى باريس، وحديثه هناك مع إدارة ماكرون عن ملف رئاسة الجمهورية في لبنان.
وبحسب هذه المعطيات فإن زيارة الراعي إلى باريس جرت هذه المرة في جو متوتر أو غير هادئ؛ والسبب في ذلك أن الكاردينال الراعي سمع في الفاتيكان – وهي المحطة التي وصلها قبل وصوله لفرنسا – كلاماً نقدياً لمجمل المواقف والمبادرات الجارية التي تخص ملف إنهاء الشغور الرئاسي.
وتقول هذه المعلومات أن الكاردينال الراعي ذهب إلى باريس وفي جعبته عتباً ونقداً فاتيكانياً على الخيارات الخاصة بلبنان والمتبعة تجاهه.
وتضيف هذه المعلومات أنه بالجوهر وبالعمق، ليس صحيحاً أن الفاتيكان ليس لها مرشحاً محدداً لمنصب فخامة الرئيس العتيد، وهي أبلغت اسمه للكاردينال الراعي الذي فاتح باريس به، وذلك حينما التقى مسؤوليها في زيارته الفرنسية الأخيرة.
وتختم هذه المعلومات بالقول أن ماكرون أجرى تعديلات على خطة تحرك باريس تجاه لبنان بناء على ملاحظات الكاردينال الراعي التي حملها معه من الفاتيكان؛ وكان من أبرز هذه التعديلات استبدال الموفد الفرنسي لصالح تعيين لودريان في هذا المنصب..