“أحزان” الشمال على تنوّعها حملها أول من أمس وفد من “كتلة الاعتدال الوطني” التي تضم كما هو معلوم عشرة نواب يمثلون مختلف ألوان الطيف السياسي والطائفي الشمالي، إلى السرايا الحكومية. وعلى مدى ما يزيد عن ساعة ونصف الساعة نقل أعضاء الوفد إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كل مطالب الشمال وشجونه وما أكثرها، مركزين خصوصاً على القضايا التي ينطبق عليها صفة الإنماء، والتي برأيهم ليست من الصنف التعجيزي ولا تحتاج إلى جهد استثنائي وموازنات ضخمة بل إلى همّة وحسم وعزيمة من المسؤولين المعنيين لأن دراساتها الأولية منجزة وقابعة في الأدراج.
يقول عضو الوفد سجيع عطية لـ”النهار” “لقد ذهبنا إلى السرايا ونحن في حال استنفار وغضب وعتب، إذ كان كلّ منّا يعتمل في صدره ووجدانه جرح بشري من جهة وما نجم عنه من أجواء ومناخات محتقنة تولّدت عنه وتنذر بالأسوأ. ولقد تحدثنا بأريحيّة وطرحنا كل الأمور على بساط أحمدي ليقيننا أننا ذاهبون إلى رئيس شمالي يشاطرنا ولا شك أحزاننا ويعرف كل شاردة وواردة وهو يعي سلفاً قيمة ما سنعرضه عليه ونطرحه أمامه وعليم استتباعاً بالسبل المفضية إلى توفير المعالجات العاجلة”.
“كان بديهياً، يضيف عطية، أن يكون مدخل الحديث مأساة حادث القرنة السوداء التي ازدادت ولا شك سواداً من جرّاء سقوط الضحيتين من أبناء بلدة بشري المجروحة. وبصريح العبارة، قلنا إنه يتعيّن على الدولة أن تبذل أقصى ما في وسعها أمنياً وقضائياً بغية جلاء الغموض وإزالة الالتباس من جهة وإحقاق الحق وإنصاف المظلوم وتحديد المسؤوليات من جهة أخرى. وهذا من أولى أولويات الحكومة وأجهزة الدولة المعنية لتحفظ ماء وجهها وتبقي على أكبر قدر من هيبتها وحضورها وفاعليتها رأفة بالوطن ورحمة بالعباد الذين تأخذهم الخشية من جرّاء التآكل المستمر للدولة ومؤسساتها”.
أضاف النائب عطية: “قلنا أمام دولته إننا نتّهم الدولة بالتقصير والمسؤولية لأنها لو قامت بواجباتها الكفائية سابقاً لما كانت الأمور بلغت هذا المبلغ من السوء. وربما لا نكشف جديداً إذا قلنا إن في البلاد نحو ستة أمكنة تنعقد حولها خلافات وصراعات مثل خلافات القرنة السوداء. فهناك قضية الخلاف بين فنيدق وعكار العتيقة حول جرد القموعة، فضلاً عن الخلاف حول مشاعات لاسا – أفقا من دون أن ننسى الخلاف المستتر بين اليمونة والعاقورة وهي خلافات تتفجّر مع اقتراب فصل الصيف والحاجة إلى المياه للري والسقاية”.
وبناءً على ذلك، يستطرد عطية: “المشكلة هي أن نقاط الخلاف تلك مزمنة ومعروفة وشهدت محطات صراعية، لكن الدولة لأسباب عدة تركتها بمثابة “بؤر توتر” قابلة للاشتعال، وقد كان بالإمكان حلّها عبر عمليات مسح ووضع الحدود مع التقنيات المتطورة من أهون الهيّنات وأسهل المهمات.
وحسناً فعل دولة الرئيس ميقاتي عندما استدرك الأخطاء وسارع إلى تسمية لجنة متخصصة لحل المشكلات في أسرع وقت للحيلولة دون تكرار الحوادث المؤلمة. لكن ذلك على أهميته القصوى، لا يعفي القضاء والأجهزة الأمنية المعنيّة من مهمة الحسم السريع في مسألة مأساة القرنة السوداء، خصوصاً أن الحسم السريع يريح كل الشمال ويبدّد القلق الوطني ويعوّض عن تقصيرات الدولة”.
أضاف عطية: “كان طبيعياً أن نثير مع دولته الكثير من القضايا، لكن آثرنا أن نركّز معه على قضية تشغيل مطار القليعات. ومدخل حديثنا حول هذا الأمر الحيوي كان أن كل الوافدين إلى لبنان في الآونة الأخيرة قد رفعوا أصواتهم عالياً بالشكوى من الازدحام الخانق الذي يلاقونه في مطار بيروت الذي بات عاجزاً عن استقبال هذا العدد الضخم من الوافدين عبره خصوصاً في مطالع الصيف وفي الأعياد.
ولذا عرضنا ما نعرف أن الرئيس ميقاتي يعرفه ويقدّره وهو أن ثمة حلاً بسيطاً وممكناً لهذه الشكوى عبر تشغيل مطار القليعات في عكار”.
ويستطرد عطية: “لا ندّعي أننا أول من يثير هذا الموضوع ويلحّ عليه، فالأكيد أن في حوزة رئاسة الحكومة أكثر من دراسة فنية أعدّتها الجهات المختصة (مجلس الإنماء، وزارة الأشغال) مبنيّة على أساس أن تشغيل هذا المطار لا يلقى اعتراض أي جهة، إذ إنه حاجة وطنية فضلاً عن أن تلك الدراسات الموضوعة بيّنت أن تشغيل هذا المطار لا يحتاج إلى جهود استثنائية وموازنات كبرى، لذا من المعيب أن تطيح الحسابات السياسية الضيقة بكل الفرص التي سنحت لتشغيل هذا المرفق الحيوي، خصوصاً أن التنفيذ يُعد برهاناً عملياً على تطبيق سياسة الإنماء المتوازن التي ينشدها الجميع وتحضر دوماً مع التأزّمات السياسية”.
وهل من نتيجة لهذا الجهد؟ يجيب عطية: “نشهد بأن الرئيس ميقاتي أبدى تفهّماً واهتماماً وحماسة للمضيّ قدماً في هذا المشروع الذي يدرك مدى جدواه، واتصل على الفور بوزير الأشغال العامة علي حميّة طالباً منه تزويده بالملف التفصيلي المعد لهذا المشروع والعمل استهلالاً لتذليل كل ما يحول دون فتح مطار القليعات لاستقبال طائرات الشحن ورحلات التشارتر مقدّمة لتشغيله وفتحه أمام الطيران المدني ورحلات المسافرين”.
وخلص عطية: “في الوقت الذي يستمر فيه الجمود والاستعصاء على مستوى الملف الرئاسي، فإن من الأولى أن نصرف الجهود لتحصين أمننا الداخلي من جهة، ولكي نبعث الروح في واقعنا الاقتصادي والإنمائي من جهة أخرى، خصوصاً أن كل المكوّنات السياسية هي على يقين بأن وضعنا – للأسف – ليس في رأس قائمة الاهتمامات الخارجية ولا نغالي إذا قلنا إننا نستشعر أننا متروكون لقدرنا”