كتب زياد شبيب / النهار 21-7-2023
لماذا تعجز المواثيق الوطنية و#التسويات عن حل #أزمة لبنان وإنهاء مشكلة المشاركة في إدارة الدولة وإقامة المساواة الحقيقية بين اللبنانيين؟ سؤال يطرح نفسه على كل باحث عن حقيقة المرض الذي يعانيه لبنان.
بعد كل أزمة وعند حصول توازن بين القوى يبدأ العمل على التسويات، منها تسويات كبرى كالميثاق الوطني لعام 1943 ووثيقة الطائف لعام 1990، ومنها تسويات صغرى كصيغة لا غالب ولا مغلوب عقب أحداث 1958 وتسوية الدوحة العام 2008.
جميع هذه التسويات ثبت أنها لم تتمكن من خلق دولة في لبنان يعيش فيها اللبنانيون كشعب واحد، في ظل ديموقراطية عادلة اجتماعياً وسياسياً. وبقي لبنان محكومًا بتوازن طائفي هشّ بالمقدار الذي تتيحه النزاعات الاقليمية والدولية، بعيدًا عن تأمين الحقوق الأساسية والعيش الكريم وتحقيق المساواة بين مواطنيه في الحقوق والواجبات كما يفرضه الدستور. وأدى ذلك إلى تعاظم توق الجماعات السياسية الطائفية إلى الرعاية الخارجية، وإلى سهولة التدخل الخارجي في شؤون إدارة البلد وإلى الحاجة المستمرة إلى من يفصل في الخلافات الداخلية على إدارة البلاد وعلى ملء المناصب الدستورية التي أصبح الشغور سمتها الغالبة.
أصل المشكلة في تكوين وأهداف القوى الحاكمة على مرّ العقود، والدول الراعية للحوار كانت تصطدم بواقع تلك القوى ومأزق التعامل معها لإخراج التسويات التي تأتي حكمًا على شكل تلك القوى وترمي البلد مجددًا في الحلقة المفرغة نفسها. والأزمة الحالية لن تفضي إلى نتائج أفضل بغض النظر عمّن سيخرج منها منتصرًا أو عن شكل التسوية، علمًا بأن انتصار فريق على آخر يبدو مستحيلًا بقدر ما تبدو التسوية مستحيلة أيضًا.
العودة إلى الواقع الراهن للأحزاب الممثلة في المجلس النيابي من منظار البحث الموضوعي، تظهر أنها تجمعات من لون طائفي واحد، مع وجود أعداد ضئيلة من الأفراد من طوائف أخرى من دون تأثير على القرار الحزبي. وأن سياسة الحزب غالبًا ما تتمحور حول مصلحة الجماعة الطائفية الطاغية في الحزب وتتركز حول منطلقات ومواقف وطموحات زعيم الحزب أو قائده.
في غياب قانون للأحزاب، يمنع تكوّن الأجسام الطائفية التي تأخذ أشكالاً ومسمّيات حزبية، ما تزال الأحزاب بنظر القانون اللبناني مجرد جمعيات يطبق عليها قانون الجمعيات العثماني العائد لسنة 1909. وهي تقوم على التفريق بين عناصر الدولة أي بين فئات المجتمع اللبناني وهي الطوائف، أي أنها جمعيات مخالفة للقانون في تكوينها ونشاطها.
كلما تفاقمت الأزمة احتاج الأمر إلى النظر إلى حقيقة المرض الذي يعانيه لبنان، وعدم الوقوف عند العوارض. المرض هو منع قيام دولة مركزية قوية توحّد الجميع تحت راية انتماء وطني واحد، وبالوقت نفسه منع قيام نظام إداري لامركزي يحقق الإنماء المحلي، فأصبح اللبنانيون أسرى ضعف الدولة وغياب الإنماء ووقعوا فريسة البدائل الحمائية والخدماتية الطوائفية التي استخدمت موارد الدولة لتعزيز نفوذها إلى حد النفاد.
من هنا إن جميع المشاريع الطوائفية الهادفة إلى إقامة مشاريع موازية أو مناقضة لوجود دولة واحدة تقيم وتحفظ المساواة للجميع في الحقوق والواجبات، أكانت تلك المشاريع بالفعل أو بردّ الفعل، هي من عوارض المرض وبالوقت عينه من أسباب استمراره وعدم الشفاء منه.
المساواة الحقيقية تكون بين المواطنين وليس بين الطوائف أو ممثليها، وتقوم على تأمين الحقوق الأساسية والخدمات العامة وتطبيق القوانين دون تمييز، وليس بتعميم السطو على حقوق الجميع وتعميم فقدان العدالة كما حصل في كارثتي تفجير 4 آب وانهيار المصارف. أما تحقيق ذلك فلا يكون إلا بمبادرات جديدة أصيلة مناقضة لما هو قائم