خاص الهديل:
هناك سؤال لا زال يرافق مسيرة ترشح فرنجية للرئاسة وذلك منذ لحظة إعلان حزب الله دعم ترشيحه وحتى الآن؛ ومفاد هذا السؤال هو هل كان الحزب يدرك أن خطوته بالإعلان عن ترشيح فرنجية من حارة حريك ومن قبل الثنائي الشيعي، هي بمثابة تصرف سياسي سيضر بحظوظ فرنجية الرئاسية(؟؟) وسيحاصره مسيحياً(؟؟)؛ أم أن هذا التصرف سقط سهواً من قبل الحزب، وحصل نتيجة سوء تقدير من حارة حريك(؟؟)؛ أم أن هذه الخطوة (أي إعلان ترشيح فرنجية من حارة حريك) كانت مقصودة، وجرى اتخاذها من قبل الحزب رغم أنه كان يعرف مسبقاً أنها خطوة ستستفز المسيحيين وستجعل ترشيح فرنجية محاصراً مسيحياً وأيضاً خارجياً(؟؟.)..
إن نوعية الإجابة عن هذا السؤال، ستكشف طبيعة التزام حارة حريك بترشيح فرنجية: ففي حال كانت الإجابة تقول أن حزب الله كان يعرف مسبقاً أن إعلان ترشيح فرنجية من قبله كجهة شيعية، وليس من قبل جهة مسيحية، هو أمر مضر بحظوظ فرنجية الرئاسية، فإن هذه الإجابة ستقود إلى تفسير واحد وهو أن السيد حسن نصر الله يخوض مناورة كبرى إسمها دعم ترشيح فرنجية، وهدفه منها ليس إيصاله لقصر بعبدا، بل استخدام ترشيحه كورقة تفاوض دسمة لقبض أثمان أخرى داخلية وخارجية!!..
.. أما إذا كان نصر الله لم يقدر أن إعلان ترشيح فرنجية من قبله سيثير ضد الأخير اعتراض مسيحي واسع، فإن هذه الإجابة ستقود إلى تفسير آخر من نوع أن الحزب جدي في ترشيح أبو طوني، وكل ما في الأمر هو أنه ارتكب خطأ في التكتيك، ولكنه مستمر في خوض معركة فرنجية بوصفها خياراً استراتيجياً بالنسبة إليه..
.. أما إذا كانت الإجابة هي أن الحزب كان يعرف مسبقاً أن ترشيحه لفرنجية من منبر شيعي، وليس من منبر مسيحي، سيضر بفرنجية، ورغم ذلك أقدم (أي الحزب) على ترشيحه، فإن هذا يعني أن حارة حريك تريد فرض ترشيحه وإيصاله لرئاسة الجمهورية على مجمل الواقعين الداخلي والخارجي، وذلك بنفس الطريقة التي تصرف بها الحزب خلال ترشيح حليفه آنذاك ميشال عون لرئاسة الجمهورية..
.. ورغم أن الحزب وصلته هذه الملاحظة حول استغراب أن يتم إعلان ترشيح فخامة الرئيس الماروني من منبر سياسي شيعي، بدل أن يفعل ذلك المرشح الماروني بنفسه، أو من خلال منبر مسيحي؛ إلا أن الحزب اكتفى بتقدم تفسير جزئي لهذه الملاحظة المسيحية الشاملة؛ وقوام ما قاله تفسير الحزب هو أن حارة حريك لم تعلن “ترشيح سليمان فرنجية”، بل هي أعلنت “دعم الثنائي الشيعي لترشيح فرنجية”(!!).. غير أن مشكلة هذا التفسير، تكمن في أن الحزب أقدم على إعلان دعم ترشيح فرنجية بشكل رسمي، قبل أن يعلن الأخير بشكل رسمي ترشيح نفسه؛ كما أن الحزب أعلن لاحقاً أنه ليس لديه مرشح آخر غير فرنجية؛ بل أعلن بشكل غير مباشر، ولكن بحزم أنه يرفض إيصال أي شخصية للرئاسة غير فرنجية، ما يعطي انطباعاً واضحاً بأن السيد حسن نصر الله ليس فقط يدعم ترشيح فرنجية، بل هو في الواقع يقود معركة إيصال فرنجية للرئاسة، وذلك بوجه المعترضين على أبو طوني في الداخل وأيضاً في الخارج..
والواقع أن كل ما تقدم يقود إلى استنتاجين أساسيين إثنين:
الإستنتاج الأول يقول أن حزب الله لم يرشح فرنجية من باب المناورة، بل من باب إثبات أن حارة حريك تتمسك بحق الفيتو على اسم رئيس الجمهورية.. وأكثر من ذلك يريد الحزب القول أن المعادلة بخصوص رئاسة الجمهورية في لبنان، لم تعد تتمثل بأن الخارج يرشح إسم فخامة الرئيس العتيد؛ بينما الداخل مطلوب منه الموافقة عليه؛ بل أصبحت المعادلة معكوسة، وهي أن حزب الله يسمي فخامة الرئيس العتيد، فيما دور الخارج هو الموافقة عليه؛ والا فإن البديل عن مرشح حزب الله هو “الفراغ”، وذلك على نحو يحاكي معادلة واشنطن عن أن البديل عن مرشحها هو “الفوضى”.
الاستنتاج الثاني يتمثل بما قاله نصر الله نفسه في خطابه قبل دخول موسم عاشوراء، ومفاده أن “إسم الرئيس هو أساس”؛ بمعنى أن نصر الله أراد القول أنه غير موافق على النظرية التي تقول أن إسم الرئيس ليس مهماً؛ بل المهم هو التسوية الداخلية والخارجية التي تؤدي إلى انتخاب رئيس.. وبدل ذلك يرى نصر الله أن إسم الرئيس هو المدخل لفهم برنامجه تجاه النقطة الأهم عند حزب الله، وهي موقفه من المقاومة ومن سلاح الحزب.. ومن هنا كان تقصّد نصر الله في آخر خطاب سياسي له، امتداح نموذج اميل لحود في رئاسة الجمهورية..
ويريد نصر الله من ذلك القول أنه بمقابل أن لدى الخماسية والغرب مواصفات لشخصية فخامة الرئيس، فإنه يوجد لدى حارة حريك مواصفات لفخامة الرئيس تبدأ وتنتهي بنقطة جوهرية وهي ثبات قناعته بحماية المقاومة كحال لحود بالأمس وفرنجية اليوم.