خاص الهديل:
هناك عنوانان لا يمكن الهروب منهما ومن تداعياتهما ومن حقيقة أن أي إصلاح للوضع في لبنان لا بد أن يبدأ من الكشف عن الجهة أو الجهات المسؤولة عنهما؛ وهذان العنوانان هما: نكبة تفجير المرفأ؛ وجريمة سرقة أموال المودعين.
ومهما طالت حبال المناورات الهادفة لتجاوز إجراء تحقيق شفاف لكشف المسؤولين عن حصول نكبة المرفأ وجريمة سرقة أموال المودعين؛ فإن ذلك لن يطمس حقيقة أنه لا حل في لبنان في حال تجاوز هذين العنوانين، وأنه لن يبدأ الحل في لبنان إلا انطلاقاً من الكشف عن الحقيقة بخصوص هذين العنوانين.
وبالعمق فإن جوهر المشكلة الراهنة سببها أن هناك من يحاول القول أن أموال المودعين هي قضية خسائر مالية وليس قضية سرقة موصوفة، وأيضاً هناك من يريد تصوير أن نكبة تفجير المرفأ هي خطأ إداري وليس فساد إداري أو حتى إرهابي.
والواقع أن الجهات التي تسمي سرقة أموال المودعين بأنها خسائر مالية وليست سرقة غير مسبوقة، ستكون هي أول الخاسرين في نهاية مطاف هذه القضية التي لن يطول وقت كشفها رغم تمنيات الكثيرين بترحيل الكشف عنها إلى أمد لا يأتي.. كما يظن الكثيرون..
وتعتبر قضية أموال المودعين بمثابة سرقة موصوفة تبدأ فصولها من نقطة من تسبب بها.. ومن ملف كيف سرقة أموال المودعين وصولاً إلى ملف من هرب أموال المودعين من المصارف إلى الخارج، خاصة في الفترة التي تلت ١٧ تشرين ٢٠١٩.
وأما قضية تفجير مرفأ بيروت فهي للتذكير فقط تعتبر بحجم نكبة، وليس فقط بحجم جريمة، وذلك للأسباب التالية:
أولاً لأن مرفأ بيروت شهد أول “اعتداء نووي النتائج” بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهجوم نووي على اليابان؛ ذلك أن التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت قُدر عالمياً بأن له حجم قنبلة نووية.. وبموجب هذا التقدير الدولي للتفجير، فإنه حتى لو سكت القضاء اللبناني والضمير اللبناني عن هذه القضية لأسباب سياسية داخلية، فإن القضاء الدولي والضمير الدولي لن يسكت بالنهاية عن وقوع تفجير أدى إلى نتائج اعتداء نووي، وأدى إلى تدمير ربع مدينة له مكانة هامة بلد…
قصارى القول هنا أن قضية تفجير بيروت النووي بنتائجه، تعتبر سابقة عالمية خطرة من منظار القانون الدولي، كما أن المحاسبة عن هذه القضية تعتبر من منظار النظرة السياسية الدولية، ضرورية نظراً لأهمية ارتباطها بمنع تكرار الأفعال العدائية ذات النتائج المدمرة النووية.
السبب الثاني يتصل بأن تفجير المرفأ أزال أو أصاب بأضرار فادحة ربع بيروت؛ وعليه فهو يعتبر جريمة استهدفت مدينة ودمرت جزء منها..
خلاصة القول أن لبنان كدور اقتصادي لن يعود من جديد، مهما تم ضخ المليارات فيه، طالما أن أموال المودعين ليس فقط لن تستعاد، بل طالما أيضاً لم يتم الكشف عن سارقييها..
..فالاقتصاد لا يقوم من دون دور المصارف فيه؛ والمصارف لن تعود للعب دورها من دون استعادة ثقة المودع بها؛ والأخير لن يمنح ثقته للمصرف في لبنان قبل أن يستعيد المودع أمواله، وقبل أن يقفل باب السجن على السارق.
.. إلى ذلك، فإن الدولة في لبنان لن تقوم ولن تبعث، إلا بعد أن تثبت أن القضاء هو روحها الحية؛ وعبثاً يقف القضاء على رجليه إلا بعد أن يثبت أنه قادر على محاسبة مرتكبي جريمة العصر ذات النتائج النووية..