خاص الهديل:
.. بالتوازي مع جولات التفاوض التي تجري في مسقط وفي الدوحة بين واشنطن وطهران؛ تجري أيضاً اختبارات “عض أصابع” بين الطرفين في سورية وعلى الحدود العراقية السورية..
وخلال الأيام الأخيرة حصلت عدة عمليات قصف من حلفاء إيران ضد القواعد العسكرية الأميركية في شمال شرق سوريا..
.. وتأتي عمليات القصف هذه، من باب قيام إيران بتحذير أميركا من النتائج الخطرة التي ستترتب عليها تنفيذها لإيحاءاتها وتهديداتها الأخيرة بخصوص أنها تستعد مع حلفائها الأكراد والعشائر العربية في “قسد”، لإقفال منطقة الحدود السورية مع العراق بوجه إيران، وذلك عبر السماح بتمدد قوات “قسد” جغرافيا بحيث يتم ربط مواقعها بمواقع القوات الأميركية في منطقة التنف..
وسيؤدي مثل هذا الإجراء العسكري فيما لو حدث؛ إلى قطع الطريق بين إيران وحلفائها في سورية ولبنان.. وبمعنى آخر؛ فإنه سيعزل النظام السوري داخل جزء من سوريا، وأيضاً سيعزل حزب الله في سورية ولبنان عن شريان إمداده الأساسي في طهران.
وحقيقة أن رسائل الحرب المتبادلة بين طهران وواشنطن في سورية، تتزامن مع رسائل تقدم مفاوضاتهما في الدوحة ومسقط، تؤدي إلى رسم علامة استفهام وراء سؤال كبير مفاده أين تكمن الحقيقة السياسية في كل ما يجري من مناورات اتفاق ومناورات حرب بين طهران وواشنطن!!
.. بمعنى آخر هل رسائل الحرب في سورية هي التي تعبر عن حقيقة الموقف السياسي بينهما(؟؟)، أم أن تقدم التفاوض بينهما في الدوحة ومسقط، هو المؤشر الحقيقي الذي يجب اعتماده للحكم على واقع العلاقة بينهما(؟؟).
مصادر لها صلة بمتابعة العلاقات الأميركية الإيرانية تلفت النظر إلى عدة معطيات تساعد في فهم التصرفات المتناقضة السائدة حاليأ، بين إيران والولايات المتحدة الأميركية:
المعطى الأول يؤشر إلى ضرورة ملاحظة أن كلاً من إيران وأميركا اليوم هما على موعد مع بدء موسم الانتخابات في بلديهما؛ ولذلك فإن إطلاق السجناء الأميركيين من أصل إيراني، من سجون إيران في هذه اللحظة، يعتبر هدية انتخابية جيدة لبايدن وللحزب الديموقراطي في سباقهما الرئاسي مع ترامب والحزب الجمهوري؛ كما أن المحافظين في إيران سيقدمون للمواطن الإيراني خطوة إفراج واشنطن عن مليارات الدولارات المجمدة والعائدة لإيران، بوصفها انتصاراً لسياساتهم تجاه أميركا؛ ما يفيد حملتهم الانتخابية النيابية..
المعطى الثاني الذي يلفت إليه هؤلاء المتابعون يتعلق بأن بايدن أجرى تعديل استراتيجي على نظرته للاتفاق مع إيران؛ وأيضاً المحافظون في إيران بدلوا من نظرتهم لكيفية التعاطي مع ملف التفاوض مع أميركا..
بخصوص بايدن فهو أصبح يفضل إجراء اتفاقات جزئية مع إيران تتناسب مع وضعه الداخلي في اميركا، ولم يعد بايدن يرغب بتوقيع اتفاق شامل مع إيران كما كان ينوي في المرحلة الأولى من رئاسته.. أما المحافظون الذين يسيطرون اليوم على كل مفاصل الحكم في إيران، فهم أصبحوا يميلون لعدم توقيع اتفاق شامل مع بايدن المشرفة ولايته على نهايتها، وبدل ذلك هم باتوا يفضلون الإنتظار لمعرفة ماذا سيحصل في البيت الابيض، بعد إنتهاء ولاية بايدن، ومن سيحل مكانه في حال لم يستطع البقاء في الرئاسة..
وباختصار فإن ظروف بايدن الداخلية الأميركية تجعله يفضل التعامل مع إيران وفق منطق “التهديد بالعصا في بعض الملفات، وتقديم الجزرة بخصوص ملفات أخرى”؛ بمقابل أن طهران باتت مصالحها مع ادارة بايدن تحتم عليها تنفيذ “نظرية الاشتباك معها، وبنفس الوقت عدم قطع التفاوض معها” حول كل الملفات التي يمكن التفاوض بشأنها..
ويستفاد من كل ما تقدم أن سورية سوف تكون ساحة للاشتباك الأميركي مع إيران، خلال الفترة المنظورة والمقبلة؛ وهذا ما يفسر لماذا عادت أوراق الصراع للبروز من جديد في سورية، وبخاصة ورقة داعش.. والواقع أنه لا يمكن في هذه اللحظة، توقع أو معرفة نسبة التصعيد العسكري الذي ستسمح به واشنطن في سورية؛ فهل ستعود لمرحلة ال ٢٠١٣ – ٢٠١٨، حيث كان الحريق العسكري في أوجه في سورية؛ أم أن التصعيد هذه المرة سيكون محدوداً ومحسوباً ويخدم مرحلة عابرة في الرؤية الاميركية لأوضاع المنطقة، وليست مرحلة إستراتيجية؟؟
.. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: في حال عاد التصعيد العسكري إلى سورية بشكل عنيف؛ كيف سيؤثر ذلك على الوضع في لبنان؟؟ هل ستطال النار السورية ما تبقى من الإستقرار الهش في لبنان؛ أم أن واشنطن وبمقابلها القوى المناهضة لها، ستجد أن من مصلحتهما إبقاء لبنان حديقة خلفية لا تمتد إليها النيران السورية؟