خاص الهديل:
هناك نوعان من الانتظار يسودان اتجاهات الرأي في لبنان وحتى في دول الأزمات كسورية واليمن: الأول يقول أصحابه أنه من دون حصول اتفاق إيراني- سعودي، لن يكون ممكناً حصول اتفاق داخلي في لبنان أو في سورية أو في اليمن؛ ومؤخراً عندما حدث فعلياً اتفاق سعودي إيراني في بكين، انتهج هؤلاء نظرية انتظار أنه يجب انتظار ترجمة هذا الاتفاق على مستوى تقديم حل إيراني سعودي مشترك للأزمة اللبنانية، وأيضاً بل وقبلاً للأزمة في اليمن وأيضاً للأزمة السورية..
وبالأمس قال وزير خارجية إيران اللهيان، بمناسبة زيارته للرياض، أنه عندما يكون هناك تعاون إيراني – سعودي، فإنه يمكن حل أزمات المنطقة على الفور..
ولقد ترك هذا التصريح صدى قوياً عند الجهات التي تؤمن بأن الحل لأزمات اليمن وسورية ولبنان، لا يمكن إدراكه إلا من خلال حصول اتفاق إيراني- سعودي..
.. على أن التطورات الأخيرة الحاصلة في المنطقة، تؤشر إلى أن نظرية أن لا حل في لبنان واليمن وسورية من اتفاق إيراني- سعودي باتت تحتاج إلى إدخال تصحيح جوهري عليها!!.
لماذا؟..
.. لأن الحلول لمشاكل المنطقة مرتبطة بتوفر أكثر من عامل؛ وأقله يجب التنبه في هذا المجال، إلى أن هناك في المنطقة أمرين اثنين يجب إعارتهما نفس المستوى من الأهمية، كونهما يتحكمان بالصراعات الناشبة في دول المنطقة: الأمر الأول هو وجود ما يمكن تسميته بـ”معادلات إقليمية” تبسط هيمنتها على موازين القوى في المنطقة؛ والأمر الثاني يتمثل بما يمكن تسميته بـ”وقائع سياسية واجتماعية” تستحوذ على سلوكيات السلم والحرب داخل كل واحدة من دول المنطقة.
وفي حين أن “المعادلات السياسية” تعبر عن إرادة الإقليميين الكبار على مستوى المنطقة، كإيران والسعودية وتركيا، الخ.. فإن “الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية” تعبر عن إرادات أطياف المجتمعات داخل دول المنطقة. وعليه يمكن رؤية اتفاق بين السعودية وإيران في اليمن، من دون أن يؤدي ذلك إلى إنهاء الأزمة بين أطراف الشعب اليمني.. وأيضاً يمكن رؤية حصول اتفاق إيراني سعودي في لبنان من دون أن يؤدي ذلك إلى حل الأزمة الداخلية في لبنان. وكذا الحال بالنسبة لسورية.
وخلاصة القول هنا، هي أن اتفاق دول الإقليم يستطيع أن ينهي الصراعات فيما بينها، ولكنه لا يستطيع بالضرورة أن ينهي الأزمات الناشبة داخل دول المنطقة وبين أطراف شعوبها.
وبمعنى آخر، فإن اتفاق الدول الإقليمية الكبرى، ينهي حروبها في دول المنطقة، وأيضاً ينهي الاقتتال العسكري في دول المنطقة، ولكنه لا يؤدي بالضرورة أو بالغالب إلى حل أزمات هذه الدول، ولا يمنحها الاستقرار السياسي..
والواقع أن الذين اعتبروا أن نجاح الاتفاق الإيراني السعودي يقاس بمدى نجاحه بحل أزمات دول المنطقة، اكتشفوا اليوم أن كلاً من الرياض وطهران تعتبران أن نجاحهما مرتبط بمدى قدرتهما على تصفية حروبهما الباردة في دول المنطقة وليس بمدى قدرتهما على فرض الحلول على شعوب الدول المحترمة.
ويعني ما تقدم أن معايير الدولتين لنجاح علاقاتهما، يتم قياسها من مدى قدرتهما على توظيف اتفاقهما في وقف صدامهما في دول الأزمات وليس في وقف أزمات هذه الدول.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مسألة كيف تستفيد دول الأزمات من الاتفاق الإيراني السعودي، هو أمر مرهون بمدى قدرة هذه الدول، وبمدى رغبتها، باستغلال فرصة المناخ الإقليمي الإيجابي لحل أزماتها.
.. وانطلاقاً من هذه المعايير التي لا تربط بالضرورة بين المعادلات الإقليمية في المنطقة من جهة، وبين الوقائع السياسية داخل دول المنطقة من جهة ثانية، فإنه يمكن فهم لماذا طهران والرياض توافقتا، بينما الأزمة السورية تتجه للتصعيد الداخلي والإقليمي.. ويمكن أيضاً فهم أن كل ما يمكن ضمانه اليوم في سورية، هو أنها لن تشهد مواجهة إيرانية سعودية، ولكن بالمقابل لا يمكن ضمان أن تشهد “تنزيل” حل سعودي إيراني ينهي أزمتها..
.. ونفس الوضع يحدث في اليمن التي ساعد الاتفاق السعودي الإيراني على وقف الاقتتال العسكري فيه؛ ولكنه لن يكون بمقدوره وقف أزمته السياسية، إلا إذا رغب اليمنيون بذلك. والأمر ذاته ينطبق على لبنان الذي يمضي في أزمته، وتمضي قواه الحزبية بإنكار الواقع، رغم أن الاتفاق الإيراني السعودي يمضي في تعزيز مساره..
.. والرسالة التي يجب أن تصل إلى شعوب دول الازمات في المنطقة، بمناسبة زيارة وزير خارجية ايران للسعودية، هي انه يجب عدم انتظار كيف سينعكس تحسن علاقات أكبر دولتين في المنطقة على الدول المنهكة بأزماتها، بل يجب انتظار ما إذا كان لدى هذه الدول الإرادة الوطنية القادرة على مواكبة الحلول الإقليمية الكبيرة، بانتاج حلول لمشاكلها الداخلية!!..
والرسالة الأخرى الأساسية التي يجب أن تصل لشعوب المنطقة بمناسبة لقاء وزيري خارجية ايران والسعودية، مفادها أن اتفاقهما يفيد استقرار المنطقة، ولكنه لا يمكنه فرض استقرار داخل دول المنطقة؛ إلا إذا برهنت شعوب هذه الدول عن قدرتها على دفع الثمن السياسي والإصلاحي لترسيخ إستقرارها..
أما النوع الثاني من الانتظار الذي يسود اتجاهات الرأي في المنطقة؛ فهو يتجه للرهان على أن كل مشاكل المنطقة ستصبح أقرب للحل فيما لو حصل اتفاق بين واشنطن وطهران..
.. وبنظر هؤلاء فإن أي اتفاق في المنطقة، لا تكون واشنطن طرفاً فيه، فهو لا يمكنه تحقيق نتائج عملية، نظراً لأن أميركا لديها لقدرة على تخريب أي اتفاق يتم خارجها، أو أقله إيقاف زخمه، وجعله اتفاقاً من دون تأثيرات جوهرية..
وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن السؤال المركزي الذي يطرحه منتظرو الاتفاق الأميركي الإيراني هو التالي: هل يمكن لهذا الاتفاق إرغام إسرائيل على تبني حل الدولتين؛ أم أنه سيؤسس لمقايضة إقليمية على حل الدولتين، وعلى جعل إسرائيل أقوى عسكرياً بمقابل موافقتها على توقيع واشنطن على الاتفاق النووي مع إيران؟؟..