خاص الهديل:
أول أمس خرج نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري على الإعلام ليهدد إسرائيل بأنه مستمر في تحركاته، وأنه لا يعطي بالاً لتهديدات رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو له نظراً لدوره الأساسي بتثوير الوضع في الضفة الغربية.
وأمس رد نتنياهو على كلام العاروري معتبراً أن الأخير انضم إلى “نادي القادة المختبئين من العقاب الإسرائيلي في بيروت”، وهو يقصد بذلك العاروري ونصر الله، مهدداً بأن تل أبيب تعرف كيف تضرب من ينفذون عمليات عسكرية ضدها في الضفة الغربية..
وبنفس اليوم رد نصر الله من خلال مقدمة نشرة أخبار قناة المنار الناطقة بإسم حزب الله؛ حيث تم التذكير بتهديد نصر الله بأن الحزب سيرد على أية عملية اغتيال ينفذها نتنياهو في لبنان؛ وحذرت مقدمة نشرة الأخبار نتنياهو من الإقدام على اغتيال العاروري الذي يقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت.. وكنوع من الرد على محاولة نتنياهو إهانة نصر الله والعاروري عبر وصفهما بأنهما “مختبئين” من الرد الإسرائيلي؛ نشرت قناة المنار صورة للعاروري وهو بثيابه العسكرية في مكتبه ببيروت..
والواقع أن إطلالة العاروري الاعلامية جاءت لتقول أن محور المقاومة الذي يستضيف العاروري في بيروت لا يخشى من تهديدات الكابينيت باغتيال القائد الحماسي الموجود بضيافة نصر الله في الضاحية؛ في حين أن رد نتنياهو شخصياً على إطلالة العاروري تقصّدت أن تحمل رسالة إلى الجهة التي تقف وراء العاروري في بيروت؛ أي إلى نصر الله عبر الغمز من قناة أن إسرائيل لن تسكت عن دور ثنائي حماس والحزب فيما يحدث بالضفة الغربية والذي يأخذ تعبيراته المادية من خلال احتضان نصر الله للعاروري الذي يعتبر مسؤول نشاطات حماس العسكرية في الضفة الغربية.. كما أن ما ورد في مقدمة نشرة قناة المنار بخصوص التذكير بتهديد نصر الله بالرد على أي اغتيال تقوم به إسرائيل في لبنان، شكّل رداً سريعاً من قبل الأمين العام لحزب الله على رسالة نتنياهو له أمس.
والسؤال هو ماذا يعني مسار تبادل الرسائل المكثفة التي برزت في خلال الـ٧٢ الساعة الأخيرة بين حماس في لبنان ممثلة بالعاروري، ومعها حزب الله في الضاحية ممثلاً برد مقدمة قناة المنار، ونتنياهو في تل أبيب؟؟.. بمعنى آخر هل هذا المسار الذي حصل خلال الـ٧٢ ساعة الأخيرة، يمهد لاندلاع حرب(؟؟)، أم أنه يمهد لتجنب الحرب، وذلك من خلال الاستعاضة عنها بإطلاق تهديدات حربية تعيد اللعبة إلى قواعد الاشتباك المنضبطة؟؟.
ويلاحظ متابعون أن نتنياهو بحاجة لغطاء أميركي كي يذهب إلى خطوة من نوع اغتيال العاروري، تؤدي إلى نشوب حرب مع غزة ومع لبنان.
.. ويشك هؤلاء بأن تكون واشنطن على استعداد في هذه المرحلة للسماح لنتنياهو بشن حرب ضد لبنان والعاروري وحماس، تحت مبرر الرد على ما يحدث في الضفة الغربية.. وأسباب بايدن للتحفظ على خطط تل أبيب لاغتيال العاروري وفتح حرب مع حزب الله، كثيرة، أبرزها أن البيت الأبيض لا يوافق على مبدأ أن تقوم إسرائيل بنفسها بالتصدي لتصاعد العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية، بل ترى إدارة بايدن أن الحل الأفضل هو بدعم سلطة أبو مازن وأجهزته الأمنية، كي تنفذ هذه المهمة..
أضف لذلك – وهذا هو الأهم – أن واشنطن تمهد لجولة قريبة لهوكشتاين إلى لبنان كي يباشر بوضع عملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل على سكة سريعة..
والواقع أن مسؤولين متابعين لملف الحراك الأميركي الراهن في المنطقة، ينصحون بالنظر لما بات يسمى بأزمة العاروري من الزوايا التالية:
أولاً- الأولوية في نطاق الوضع الإسرائيلي اللبناني ليس لحرب بسبب وجود العاروري بضيافة نصر الله، بل الأولوية هي لتمهيد المسرح لإنجاح مهمة اموس هوكشتاين لترسيم الحدود البرية جنوباً.
.. وعليه قد يكون رفع صوت قرقعة السلاح هو أمر مطلوب لتحريك ماكينات التوسط لأخذ المسار بين لبنان وإسرائيل من مناخ التصعيد إلى مناخ الترسيم..
ثانياً- ما يقود للاستنتاج بأن حفلة التصعيد خلال الـ٧٢ ساعة الأخيرة، سيتبعها حفلة إطفاء أجواء التسخين، هو التسريبات المقصودة خلال هذه الآونة عن أن زيارة هوكشتاين ستسبق عودة لودريان، وعن أن مهمة توتال ستنتهي قريباً على نتيجة تؤدي إلى معرفة ماذا يخبئ حقل ٩ للبنان من غاز؛ وعن أن واشنطن تدعم تعديل قواعد الاشتباك بخصوص مهمة اليونيفيل؛ والواقع أن كل هذه المؤشرات تقول أن الحدث المقبل في لبنان ليس اندلاع حرب، بل بدء “مسار تسووي بري” يكمل مسار ترسيم الحدود البحرية الذي نفذه هوكشتاين قبل أشهر، والآتي اليوم ليكمله بتدشين مسارين اثنين هما: ١) ترسيم الحدود البرية؛ ٢) وإعلان حجم لبنان داخل قطاع الغاز في المنطقة..
وانطلاقاً من هذا التقدير للموقف تصبح كل عملية تبادل التهديدات بشأن وجود العاروري في لبنان، والضغط في نيويورك بشأن تعديل مهمة اليونيفيل، ليست أكثر من عمليات تستهدف إفساح المجال لفتح الباب أمام استكمال واشنطن لمتابعة تسويات الغاز وترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، أو أقله أمام مناخ التسويات الأميركية لإنهاء ملف الغاز المرتبط بموجبات حرب أميركا ضد بوتين في أوكرانيا، في حين أن تسويات الغاز الأميركية في لبنان وتحصينها بتسويات ترسيم بري تتصاحب مع فتح باب الضغوطات الأميركية على إيران وحزب الله في سورية، انطلاقاً من مواقع واشنطن في التنف والحدود العراقية السورية.
وخلاصة القول في هذا المجال أن ادارة بايدن حرباً أو سلماً، فهي تلعب في لبنان أو في سورية لعبة مصالحها في أوكرانيا وضد بوتين؛ ولن تلعب لعبة نتنياهو وحكومة أقصى اليمين في إسرائيل..