خاص الهديل:
بعد جولة العنف الأخيرة التي شهدها مخيم عين الحلوة، صار حتمياً إعادة النظر بكل النظرة الرسمية اللبنانية السابقة للوضع في هذا المخيم..
أولاً، لم يعد ممكناً النوم على وسادة الاعتماد على توازن الرعب القائم فيه؛ لمنع أي فصيل بداخله من استهداف الفصيل الآخر.. وواضح أن “غرائز القتال الفصائلي” داخل مخيم عين الحلوة، متضخمة لدرجة عالية، وهذا ما يفسر أن جولة العنف الأخيرة، بدأت “بحادثة ثأر سياسي”؛ تلاها حالة ثأر إضافية، تماماً ذلك على طريقة ما يحدث بين العشائر؛ ثم تحول كل المخيم إلى جحيم قبلي وفصائلي وإقليمي..
.. بالعادة، فإن عمليات الثأر السياسي هي كجرائم الشرف أو الثأر الجنائي، سرعان ما يتم احتواؤها بإيجاد التعويض لأهل القتيل وفرض الغرامة أو عقوبة القانون على القاتل.. ولكن في بيئة عين الحلوة لا يحصل ذلك، حيث أن حادثة قتل “ابن فرهود” من قبل العائلة التي كان ابنها قتل سابقاً، تطورت عمليات الثأر لتصل إلى قتل “اللواء أبو أشرف العرموشي”، وهنا ظهر بوضوح أن هناك جهة دخلت على مسلسل عمليات الثأر الجنائي داخل المخيم، لتحوله إلى تصفيات أمنية، تقود إلى احتراب عسكري شامل ومفتوح وله خلفيات سياسية وعقائدية..
وواقع أن أحداث تحول جرائم الثأر الجنائي أو القبلي، إلى احتراب فصائلي شامل في المخيم؛ إنما يؤشر إلى أمر خطر جداً؛ وهو أن أي جهة تستطيع بسهولة إشعال النار في المخيم عن طريق افتعال “حادث ثأر” فردي داخل مجتمعه القابل للنزاعات العائلية والفصائلية وتبادل جرائم الثأر الجنائية..
إن السؤال الذي يطرح ذاته والحال هذا، هو كيف يمكن جعل استقرار المخيم تحت السيطرة(؟؟)؛ ومن هي الجهة التي يجب عليها فعل ذلك والتي تستطيع فعل ذلك(؟؟)
الإجابة عن هذه الأسئلة تحتم قراءة الأمور الأساسية التي ظهرت من خلال جولة العنف الأخيرة في مخيم عين الحلوة:
يمكن على هذا الصعيد القول أن الصراع الأخير، جعل الوضع في عين الحلوة يبدو أشبه بمبنى مؤلفاً من ثلاثة طوابق:
في الطابق الأرضي يوجد طرفان إثنان بينهما ما صنع الحداد؛ الأول هو التيار الوطني وعلى رأسه حركة فتح.. والثاني هو التيار الإسلامي؛ وهذا الأخير يتموضع داخل عدة حالات، وليس داخل حالة واحدة.. فمن جهة هناك التكفيريون الذين اجتمعوا في إطار أطلقوا عليه تسمية “الشباب المسلم”؛ ومن جهة ثانية هناك الإسلاميون الذين قاموا بمراجعة أيديولوجية لسلوكهم ومواقفهم، أدت إلى تحولهم من قوى تكفيرية إرهابية إلى قوى إسلامية “معتدلة سلوكياً” ومتعاونة مع جهود استقرار المخيم؛ وأبرز قوة ضمن هذا الجو، هي “عصبة الأنصار” ويليها “أنصار الله”؛ ومن جهة ثالثة هناك حركة حماس التي دخلت مؤخراً على بيئة مخيم عين الحلوة، وعلى مجمل الساحة الفلسطينية في لبنان. وحماس موجودة في عين الحلوة بشكل غير مباشر، ولكنها حاضرة بقوة داخل بيئات التيار الإسلامي في المخيم.
طوال الفترة السابقة كانت الدولة اللبنانية تعتمد لترسيخ حالة الاستقرار النسبي في المخيم على ثلاثة أمور داخل الطابق الأول؛ الأول إبقاء فتح هي القوة الأكبر في المخيم؛ وذلك حتى لا يتحول المخيم إلى لقمة سائغة للتكفيريين؛ الثاني، التعاطي مع “اعتدال عصبة الأنصار” على أنها “ضمانة” لعدم جعل التيار الإسلامي يفكر بشن حرب للسيطرة على المخيم.. الثالث اتباع سياسة تسهيلات أمنية للملاحقين قضائياً بمقابل التزامهم بالتعاون لتحصين الأمن في المخيم. وخلال الفترة الماضية، نجحت هذه الإستراتيجية بنسبة معقولة في ضبط استقرار المخيم، ولكن في الحرب الأخيرة داخل المخيم ظهر أن كل هذه الضوابط وكل هذه الخطوط الحمر انهارت؛ فلا حركة فتح عادت قادرة على إثبات نفسها بوصفها القوة رقم واحد في المخيم، ولا عصبة الأنصار، لألف سبب، تستطيع أن تكون ضمانة لعدم شن الإسلاميين حرباً لكسر شوكة فتح في المخيم؛ أضف إلى ذلك أنه برز بوضوح أن معادلة احتواء توزع القوى من قبل الدولة في المخيم، اختل لأن هناك لاعباً جديداً برز في المخيم وهو حركة حماس التي لها وزنها داخل الساحة الفلسطينية وهي تستطيع أن تجذب امتدادات إقليمية كثيرة مؤيدة لها إلى داخل لعبة المخيم.
أما الطابق الثاني في أزمة المخيم، فهو طابق حسن التأثيث ويقيم فيه كل من “أبو مازن” (محمود عباس) بمقابل الشيخ صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي في حماس) المقيم في الضاحية الجنوبية بضيافة السيد حسن نصر الله..
.. وهذه المنازلة بين الرجلين بدأت في الضفة الغربية، ووصلت الآن إلى مخيم عين الحلوة، وهي مرشحة لأن تمتد إلى كل مخيمات لبنان.
إن خطورة هذا الجزء من خلفيات حرب عين الحلوة (الطابق الثاني)، تكمن في أن لبنان يدخل مرحلة من تأثره غير المباشر بنتائج ما بات يسمى بحرب الجبهة الرابعة المستعرة بين إيران وبين إسرائيل؛ وهي الجبهة التي يقول الإسرائيليون أن إيران وحزب الله بالتشارك مع حماس، فتحوها في شمال الضفة الغربية (منطقة جنين ونابلس) كتطبيق عملي لشعار محور المقاومة عن “وحدة الساحات”.. ورداً على وصول تطبيقات “وحدة الساحات” إلى الضفة الغربية، فإن إسرائيل ضمن حساباتها تشعل مخيم عين الحلوة كرد من قبلها على تدخل الحزب وإيران عبر حماس وتحديداً عبر العاروري في الضفة الغربية؛ وأيضاً فإن أبو مازن ضمن حساباته، يعلن الحرب في عين الحلوة حتى يقول أن كلمة الشتات الفلسطيني له وحده، وأنه لن يسمح للذين مدوا يدهم على منطقة نفوذ فتح والسلطة في شمال الضفة الغربية، أن يمدوا يدهم أيضاً على نفوذ فتح التاريخي في عاصمة الشتات الفلسطيني (عين الحلوة)..
أما الطابق الثالث في أزمة مخيم عين الحلوة، يقيم فيه الإقليميون الذي لا تظهر بصماتهم بوضوح، ولكن معاينة مجهرية لأدوارهم تظهر تواجدهم العميق في حرب عاصمة الشتات الفلسطيني مخيم عين الحلوة..