خاص الهديل:
يعتبر العماد جوزاف عون مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية رغم أنه لم يرشح نفسه، ورغم قوله في كل يوم أنه لم يتحدث مع أحد بموضوع رئاسة الجمهورية، وأن أحداً لم يتحدث معه بهذا الموضوع.. ولكن ما يجعل جوزاف عون مرشحاً طبيعياً للرئاسة، هو موقعه كقائد للجيش، حيث أنه منذ واقعة وصول فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية، أصبح قائد الجيش الماروني ضمن نادي المرشحين التلقائيين للرئاسة الأولى..
.. بعد فؤاد الشهاب الذي بنى للدولة أهم مؤسساتها، جاء لرئاسة الجمهورية اميل لحود ثم ميشال سليمان فميشال عون؛ وبينهم كان العماد جان قهوجي مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية، ولكن الحظ لم يحالفه.. أضف أن العماد إميل بستاني عمل ليكون رئيساً للجمهورية، ولم ينجح.
.. واليوم يعتبر العماد جوزاف عون، ليس فقط مرشحاً طبيعياً لنيل لقب فخامة الرئيس، كونه “قائد جيش”، بل كون هناك أيضاً رغبة خارجية – حسب المعلومات – تريد إيصاله إلى بعبدا..
وداخل جزئية أن الخارج مقتنع بجوزاف عون رئيساً؛ يلاحظ أن بعض أحزاب الداخل يرفض وصوله بقوة، والبعض الآخر ينتظر بتحفظ، بينما هناك نواب وكتل مستقلة، يراهنون على اقتراب فرصة ترشيحه، ليدعموها.
.. وللغرابة فإن أكبر المعادين للعماد جوزاف عون هم الأشخاص الموارنة الذين بنوا كل مجدهم السياسي بالاعتماد على أنهم جاؤوا من بيئة العسكر إلى السياسة.. في مقدمة هؤلاء “الجنرال فخامة الرئيس” ميشال عون الذي يتهم جوزاف عون المقرب تاريخياً منه “بالخيانة”، كونه لم يراع خاطر صهره جبران باسيل.. لكن جوزاف عون لا يزال يعتبر أن خلافه مع باسيل الذي لم يترك لعمه صاحباً، لا يشكل “خيانة للجنرال ميشال عون”، رغم أن الأخير مصرَ على سجن نفسه داخل مقولة “اللهم من يوالي باسيل يواليني ليوم الدين، ومن يعاديه يعاديني ليوم الدين”..
.. والواقع أنه غير سبب أن عون يريد دعم باسيل ظالماً أم مظلوماً؛ فإنه يستغرب أن يكون العونيون معادين لجوزاف عون الذي هو أقرب “شخصية للنسخة الأولى من البيئة العونية النظيفة”، كما يسميها العونيون الأوائل الذين سجنوا وشردوا، وليس الذين حكموا وأثروا.
والملفت أن أول من تحدث عن هذه الميزة لجوزاف عون هو السيد حسن نصر الله الذي قال لأحد محدثيه منذ فترة غير قصيرة، أن باسيل سيكتشف أن مصلحته الاستراتيجية تحتم عليه دعم ترشيح فرنجية، لأن بديل “أبو طوني” هو جوزاف عون الذي في حال وصل لرئاسة الجمهورية فإن معظم البيئة العونية ستنضم إليه.
وبحسب ما نقل عن نصر الله فإن العونيين سيعتبرون جوزاف عون في حال وصل للرئاسة وريث الجنرال ميشال عون الحقيقي، وذلك لعدة أسباب، منها أن جوزاف عون يحمل نفس إسم عائلة الجنرال عون.. ولا يهم هنا مدى الصلة العائلية بينهما، بل المهم هو “وسمة عائلة عون” التي منها اشتق مصطلح “العونيون”.. أضف أن جوزاف عون يمثل بإمتياز بيئة الجيش التي تعتبر هي المادة الاجتماعية والعقائدية للتيار العوني..
وبنظر نصر الله فإن سمات جوزاف عون هذه، كفيلة بأن تجعل باسيل عند لحظة القرار يفضل السير بفرنجية لتجنب وصول جوزاف عون إلى بعبدا..
وبعيداً عن ما يظنه نصر الله؛ فإن الواضح أن قسماً لا بأس به من العونيين، وخاصة الذين يشكون من دور باسيل داخل التيار، والذين صدمتهم تجربة العهد العوني، ولكنهم يثابرون على التمسك بتضحيات الأجيال العونية السابقة؛ سينظر إلى جوزاف عون على أنه أولاً فرصة إنقاذ للحالة للعونية الموشكة على الإنقراض عند غياب ميشال عون، وعلى أنه ثانياً الشخص الوحيد القادر على العودة بالتيار البرتقالي إلى مرحلة المنابع النظيفة، والقادر ثالثاً على تقديم صياغة جديدة “للعونية المستدركة”، تستطيع تزعم المسيحيين في مرحلة التحديات الجديدة..
.. هناك مصلحة لجوزاف عون أن تتم مقارنته بمرشحين آخرين لم تتم تجربتهم في مواقع حساسة داخل الدولة، ذلك أن أهمية تجربته داخل الدولة كقائد للجيش، تكمن في أنه حمى الجيش من تدخل فساد السياسيين بشؤونه، وحمى نفسه كقائد للجيش من إغراء دفع التنازلات السياسية بمقابل دعم ترشحه للرئاسة. وإذا كان يمكن القول أن جوزاف عون خاض معركة سباق صامت على رئاسة الجمهورية، إنما هو فعل ذلك من خلال تطبيقه شعار أنه “زاهد بلقب فخامة الرئيس”..
يقول مقربون من رئيس مجلس النواب، أن قائد الجيش التقى ببري عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، وفي هذه اللقاءات تحدث جوزاف عون مع بري حول كل شيء، عدا موضوع ترشيحه لرئاسة الجمهورية؛ حتى أن مقربين من أبو مصطفى شكوا من أن قائد الجيش لم ينتهز فرصة لقائه بملك اللعبة الداخلية (بري) كي يسوق نفسه عنده.. غير أن عارفي جوزاف عون يقولون أن طبيعته النفسية والإنسانية تتميز بأمر يعرفه عنه أبناء دورة تخرجه من الحربية، وهو أنه عندما يكون في مهمة لا يشغل باله بمهمات تنتظره وراء الباب، من دون أن يعني ذلك أنه لا يراها..
بعض المتابعين لجوزاف عون، وهم كثر، سألوا عنه كثيراً.. أراد هؤلاء أن يعرفوا “بصمته الشخصية”؛ بمعنى كيف يتصرف بمواجهة حالات مختلفة، وكيف سيكون سلوكه بحال وصوله لرئاسة الجمهورية(؟؟)..
والجهات التي قالت أنها تعرفه حق المعرفة، وصفت جوزاف عون، بأنه “مدافع شرس ونبيل عن خندقه، ولكنه لا يخرج منه ليهاجم الخندق الآخر المقابل له”.
وبموجب هذا التوصيف أو التعريف؛ فإن بصمة جوزاف عون الشخصية تقول التالي: لا يتهاون برهة برد الإعتداء عليه، ولا يبادر ولو للحظة بشن اعتداء على أحد.. هو مقاتل شرس ونبيل: شرس تعني “التصميم”، والنبالة “تعني حتى الرمق الأخير”..
وصورة بصمته النفسية الآنفة اعتمدها البعض ليقدم من خلالها للأطراف السياسية اللبنانية بروفيل عن توقع سلوك جوزاف عون، وهو قائد للجيش، وعن توقع سلوكه حينما يصبح رئيساً للجمهورية: فهو بمسألة عين الحلوة لن يتهاون فيما لو اعتدى مسلحو المخيم على الجيش وعلى الجوار اللبناني، ولكنه بالتأكيد لن يبادر لفتح حرب على المخيم طالما ظلت النار داخله. وبالنسبة لموضوع خلافه مع وزير الدفاع فهو لن يهادن باسيل الذي يعتبر جوزاف عون أنه يقف وراء اشتباك موريس سليم معه.. وإذا استدعى الأمر أن يدافع بأسلوب أقوى عن صلاحياته كقائد للجيش، فهو بالتأكيد لن يتردد. وحينما اعتبره البعض أنه يخالف القانون كونه يحصل على مساعدات وجودية للجيش، اعتبر جوزاف عون أنه سيخرق القانون إذا كان ذلك سيحمي الجيش الذي هو اليوم خندق مهمته.. وبالاعتماد على “بصمته الشخصية” يمكن القول أن كلام جوزاف عون عن حماية الجيش بأي ثمن، ليس انفعالاً؛ لأن جوزاف عون كما تقول بصمته الشخصية، يذهب بعيداً حينما يدافع عن خندقه، ولا يذهب متراً واحداً خارج خندقه حينما لا يتعرض لهجوم أو لاعتداء..
لعل سمير جعجع اختبر حقيقة أن جوزاف لا يهاجم الخندق المقابل له، لمجرد أن لديه إنطباع سلبي مسبق عنه. القواتيون استغربوا في البداية كيف أن أنجح علاقة للقوات اللبنانية مع قائد للجيش، كانت مع جوزاف عون الذي تخوفوا عند وصوله لليرزة، لظنهم أنه “عوني الهوى”.. وباسيل كان يستبعد أن يقول له قائد الجيش المحسوب على المناخ العوني كلمة “لا”.. ولكن جوزاف عون دفع بباسيل إلى خارج خندقه حينما حاول الأخير أن يقتحمه ويستبيحه..
ويبدو رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد هو الأكثر معرفة بجوزاف عون (البصمة الشخصية) من بين كل قيادة حزب الله؛ وذلك بالنظر للقاءاته المتكررة به كمحاور له بشؤون أساسية. معروف عن النائب رعد أنه مفاوض يقول “الكلمة التي تعبر بالضبط عن حجم الموقف المجرد، وليس عن حجم ما يحتمل الموقف من دبلوماسية”. ربما أسلوب رعد هذا، هو الذي جعل وليد جنبلاط سائق الشاحنة السياسية الكبيرة، يستاء من الحوار والتفاوض الجاف معه.. ولكن في اليرزة يرتاحون لمصداقية رعد في التعبير عن الموقف بدقته وليس بما يحمل من أوجه. وفي بيئة حزب الله لا أحد يدعي أن التجربة مع جوزاف عون كقائد للجيش لم تكن واضحة وشفافة، رغم أنها لم تكن تحتمل من حانبه التساهل في حماية خندق الجيش.. وبالنسبة لرعد فهناك إعجاب من قبله بمزايا جوزاف عون الإنسان المتفاني بتربية عائلته والمحب لأصدقائه والنزيه والعفيف بحياته العامة والخاصة؛ ولكن بموضوع رئاسة الجمهورية، فإن حسابات الحزب موجودة عند السيد..