بقلم الشيخ مظهر الحموي
… ونحن نعيش في أفياء رحاب شهر ربيع الأول وما يتضمنه من مآثر حبيبة على القلب ، وعظمة في النفس ، بل وهي إحدى أهم المعالم التي أثرت في حياة الإنسانية جميعا وهي ولادة الرسول العربي الكريم محمد ﷺ .
ولا حاجة لنا هنا الى إستعادة إنعكاسات هذا الحدث على البشرية جميعا بولادة رسولنا الحبيب الرحمة المهداة وصاحب الخلق العظيم ، فنحن على صلة دائمة بسيرته وهديه نتلمسها في كافة مناحي حياتنا ونستلهم منها الرشد والسداد لنفوز في الدنيا وفي الآخرة.
ولا يسعنا في هذه الأيام العطرة إلا أن ننظر الى واقعنا المؤلم بكل حرقة وأمل ونحن نمر في أجواء مضطربة على صعيد حياتنا السياسية والإقتصادية والمعيشية وما نزل بنا من مصائب وبلايا بعد أن إبتعدنا عن نهجه السليم وعن الشريعة الغراء التي جاهد من أجل إعلائها ونشرها ، ففرطنا بها وتقاعسنا عنها حتى تكالبت علينا الأمم المتربصة بنا.
الهموم كثيرة والمصائب تتوالى جزاء بما تثاقلنا عنه عندما تخلينا عن مقاصد شريعتنا الغراء وطرحناها خلف ظهورنا ، وعمدنا الى الإرتكان الى الحياة الدنيا وإيثار الفرقة والتنازع ففشلنا وذهبت ريحنا.
لقد غفلنا عن قول الله عز وجل ( *لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا* ) ومع الأسف الشديد فإننا نرى الإنفلات الأخلاقي في مجتمعاتنا بكل أشكاله وألوانه وخاصة في وسائل الإعلام والإنترنت والفضائيات ، والله تعالى يخاطب رسوله الكريم ( *وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمࣲ* ) فهل إقتدينا بهذا الخلق العظيم
وماذا عن قوله عز وجل ( *مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ تَرَاهُمۡ رُكَّعࣰا سُجَّدࣰا یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰنࣰاۖ سِیمَاهُمۡ فِی وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ* ..)
فهل نحن متراحمون فيما بيننا حقا ؟.
مطلوب منا التراحم والتسامح والغض عن أخطاء بعضنا والتمسك بصفاته عليه الصلاة والسلام والتي عبر عنها المولى سبحانه وتعالى ( *وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ* ) فكيف بنا نحن المسلمين الذين ينبغي أن نكون أولى بالتراحم فيما بيننا، لا أن نذرّ الفتن والغيبة والنميمة فيما بيننا .
هل إتبعنا سنته في معاملاته مع أهله وأصحابه وجيرانه ؟
هل جعلناه قدوتنا وأسوتنا ومثلنا في حياتنا ؟
إن كنا نحبه فعلا فيجب أن يكون قدوتنا في الأخلاق والمعاملة مع الأهل والأقرباء والجوار والمؤمنين وغيرهم ، وأن تظهر علامات محبتنا في الإقتداء به وإتباع سنته وإمتثال أوامره وإجتناب نواهيه والتأدب بآدابه.
هو أسوتنا في تلمس العبر والمعاني من سيرته وصبره على الجاحدين وتحمله الأذى حتى يحقق الرسالة التي حملها رحمة للعالمين ، فوجبت علينا طاعته، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بذلك حيث قال ( *یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی شَیۡءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡآخِرِۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا* )
هذا ما يجب أن نتمثله بصورة دائمة وليس في يوم بعينه، وليكن هذا اليوم مميزا بالتمثل بشمائله وأخلاقه ولتكن الساعة الأولى في مدارسنا بهذه المناسبة رحلة مع سجايا وحلم وأدب النبي الكريم ، لأن ما ينقصنا فعلا هو التحلي بالآداب النبوية في معاملاتنا بين بعضنا بعضا وفي كيفية التخاطب والكلام بالبعد عن الفظاظة والإستعلاء لنؤكد أن المؤمن يألف ويؤلف.
ألا فليكن منهج النبي الكريم سبيل حياتنا بمعاملاته ومعشره وشمائله وسجاياه وأدبه الجم وصبره وحنوه ورحمته حتى نستحق شرف الإلتزام به ( *لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا* )
وهذا ما يجب أن نستذكره دائما حتى نستعيد صفاؤنا وإستقرارنا وعزتنا.
ألا فلتكن ذكراه ﷺ مناسبة لمراجعة حساباتنا حيث نقف فيها على أخطائنا وفي ذلك نكون قد أعربنا عن حبنا له وطاعة لأوامره وزجرا لنواهيه.
ألا فلنجدد العهد بسرعة حتى لا تنقض علينا الأمم وتتكالب ، ولا نعتقد أن أحدا يمكن أن يرضى بهذه الحال ، إذا فلماذا لا نبادر الى إستعادة قيمنا ودورنا منذ الآن ؟
أسئلة يجب أن نتطارحها بكل صدق وإخلاص وتجرد لنكون فعلا على منهجه لأن المحب لمن يحب مطيع.