خاص الهديل:
منذ بدء أزمة الشغور الرئاسي يصر حزب الله على ٣ ثوابت لا يحيد عنها، وذلك رغم كل التسريبات التي تصدر نقلاً عن لسانه؛ فيما الحزب لا يؤكدها رسمياً ولا ينفيها، بل يتركها في مجال التداول حتى يكتشف كيف يتحرك الواقع السياسي الداخلي والخارجي بخصوص موضوع الاستحقاق الرئاسي.. أما الثوابت الثلاث التي لا تحيد عنها حارة حريك، والمتوقع أن لا تحيد عنها أبداً فهي التالية:
أولاً- يوجد لدى السيد حسن نصر الله مصطلح خاص به يشكل أحد الثوابت الثلاث التي يتبعها في طريقة تعاطيه مع الاستحقاق الرئاسي.. ومفاد هذا المصطلح هو “شخص الرئيس هو المهم”، والمقصود هنا عدم موافقة نصر الله على المقولة التي ترى أن الاتفاق على الرئيس، أهم من شخص الرئيس؛ ومن وجهة نظره (أي نصر الله) فإن شخص الرئيس هو الضمانة، وليس الاتفاق عليه، هو الضمانة..
وخلال إحدى خطبه الأخيرة شرح نصر الله مصطلحه عن “شخص الرئيس مهم”، و قدم أمثلة عملية عن ما يقصده بهذا المصطلح، حيث اعتبر الرئيس اميل لحود، أهم نموذج إيضاحي يدلل كيف أن شخص الرئيس يشكل ضمانة للمقاومة، كما أعطى نصر الله مثلاً ثانياً عن شخص الرئيس الضمانة للمقاومة وهو ميشال عون؛ فيما غمز من قناة أن الرؤساء الآخرين لم يفوا بالاتفاقات التي تم إبرامها معهم حول عدم طعن المقاومة أو التشويش عليها.
والواقع أن نصر الله مقتنع تماماً بمقولته عن أن “شخص الرئيس مهم”، وهو يعتبر أن على حزب الله أن يطبق هذه المقولة بشدة خلال خوضه معركة رئاسة الجمهورية؛ لأن تجربة حزب الله مع رؤساء الجمهورية والحكومات بينت له أن الضمانة للمقاومة بعد اعتمادها على قوتها الذاتية، هي شخص الرئيس المؤيد عقائدياً وليس فقط ظرفياً ومصلحياً للمقاومة…
ويبدو واضحاً في هذا المجال أن تمسك نصر الله بتطبيق مقولته بأن “شخص الرئيس مهم”، تعني أن أمين عام حزب الله لا يناور بموضوع ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة؛ بل هو سيبدي أكبر إصرار على إيصاله لقصر بعبدا.. ولذا، فإنه يصعب تصور أن يذهب حزب الله إلى “خطة ب” بخصوص الموافقة على تسوية المرشح الثالث؛ إلا في حال حصول متغيرات استثنائية.
القناعة الثانية من بين ثوابت نصر الله الثلاث تتصل بأنه يريد إحاطة “شخص فخامة الرئيس الذي يشكل ضمانة للحزب” ب “تسوية رئاسية” تؤسس لجعل عهده يواجه أقل قدر من المعارضة السياسية.. والطريق لتحقيق هذين الأمرين معاً؛ أي الإتيان برئيس ضمانة للمقاومة، ورئيس محمي بتسوية داخليه تدعمه، يوجب على حزب الله أن يقدم ضمانات لأحزاب الطوائف الأخرى لنيل حصص جيدة خلال العهد الرئاسي الجديد.. ولكن تجربة الحزب مع عهد عون لم تكن ناجحة بخصوص إقناع “العم” و”الصهر” بتوزيع الحصص السياسية وعدم احتكارها لنفسيهما، بينما تجربة السوريين ومعهم الحزب على هذا المستوى، مع اميل لحود، كانت ناجحة؛ حيث أن الأخير استجاب للضمانات التي كان السوريون أعطوها لممثلي الطوائف، مقابل انتخابهم اميل لحود..
وما تقدم يعني أن نصر الله يصر على أولوية إسم الرئيس على ما يسميه الآخرون بأولوية الاتفاق على الرئيس.. ومن هنا يظهر للكثيرين أن حارة حريك تريد أن تفاوض الآخرين على جعلهم يتبنون ترشيح فرنجية، وليس على مرشح ثالث أو رابع غير فرنجية..
والواقع أن إستراتيجية نصر الله بخصوص القناعة التي تقف وراء دعمه لترشيح فرنجية واضحة، إلا إذا أراد البعض حرف نظره عنها. كما أن مفهوم الحزب “للحوار”، لا يعني الذهاب إلى ترشيح ثالث، بل يعني الذهاب إلى ترشيح فرنجية ضمن “تسوية رئاسية” يتكفل حزب الله بإسم فرنجية، وبإسم نصر الله شخصياً، بأن يدفع للأطراف السياسية التي توافق عليها، ما تطلبه من أثمان سياسية من عهد فرنجية، وذلك مقابل أنها قبلت السير بتسوية انتخاب فرنجية..
أما القناعة الثالثة التي تشكل إحدى ثوابت نصر الله الثلاث، فهي تتعلق بتوقيت وشروط استجابة الحزب لصياغته “الخطة ب” والسير بتطبيقاتها..
وفي هذا المجال يجدر إدراك ثلاثة عوامل أساسية يكمل كل واحد منها الآخر:
الأولى أن الحزب ليس لديه في الوقت الحالي “خطة ب”؛ بمعنى آخر فإن الحزب يعمل بكل طاقته حالياً على إيصال فرنجية للرئاسة.. وأكثر من ذلك يمكن القول أن الحزب يعمل بكل قوته لمنع إيصال أي رئيس آخر غير فرنجية للرئاسة.
العامل الثاني سيستمر الحزب من دون “خطة ب”، طالما أن الدعوة الموجهة إليه للحوار حول ترشيح ثالث أو أي ترشيح غير فرنجية؛ تصدر من الداخل أو من جهات لبنانية.. باختصار الحزب لن يضع “خطة ب” تحت وطأة الاعتبارات الداخلية. بل قد يفعل ذلك بفعل مساومات خارجية، وهذا ما يوضحه مضمون العامل الثالث..
العامل الثالث يكمل العامل الثاني، ومفاده التالي: هناك شرط واحد في حال توفره، يذهب حزب الله الى وضع “خطة ب”، وإلى التخلي عن ترشيح فرنجية، لمصلحة السير بمرشح تسوية.
.. وهذا الشرط، هو أن يكون الطرف الجالس بمقابله للتفاوض معه، هو إما أميركا عالمياً، وإما السعودية عربياً. وهنا يشبه موقف نصر الله بهذه النقطة؛ موقف عبد الملك الحوثي؛ حيث يقول الأخير أنه لن يفاوض خصومه اليمنيين لأن قرار هؤلاء موجود عند السعودية، ولذلك فهو يضع شرطاً أساسياً للدخول بتسوية لإقرار السلام في اليمن، وهو قبول السعودية بالتفاوض معه؛ وأيضاً نصر الله يضع شرطاً أساسياً للتفاوض على تسوية حول فخامة الرئيس العتيد، وحول النظام السياسي، مفاده أن يكون مفاوضه حول هذه المواضيع، ليس الأطراف الداخلية اللبنانية التي يعتقد الحزب أن قرارها إما في واشنطن أو في الرياض، بل يريد الحزب أن يتفاوض على التسوية الرئاسية أو على تسوية النظام السياسي، إما مع واشنطن أو الرياض أو كليهما معاً.. وحتى تقبل أميركا أو السعودية بالتفاوض معه، سيظل حزب الله من دون “خطة ب” بخصوص الاستحقاق الرئاسي ومجمل الوضع اللبناني.