من الجذور إلى عشرات الفروع، قطعت مناشير الحطابين أشجار اللزّاب المعمّرة التي يزيد عمرها عن 150 عاماً بطريقة إجرامية، ضمن محمية اليمونة – بعلبك من الجهة الشرقية للسلسلة الغربية، فيما نقلت الجذوع الضخمة بغرض التجارة، تحت حجة الضائقة الاقتصاديّة والوضع الماديّ المتردّي.
والمشهد المشار إليه المتمثّل بالتعدّي المستمرّ على الأشجار المعمرة يشير إلى غياب الدولة، وتآكل هيبتها، بجميع أجهزتها ومؤسّساتها في منطقة مصنّفة محمية طبيعية منذ عام 1999، بموجب القانون رقم 10، والمادة 6 منه، التي تنصّ على حماية البيئة والموارد المائية، والثروة الحرجية والأثرية والطبيعية ضمن نطاق المحميّة.
وعلى الرّغم من تكرار هذا المشهد الإجرامي، يبقى المجرم مجهولاً في كلّ مرة، في حين تمتلك الأجهزة الأمنية مختلف أسماء الفاعلين وتفاصيل تحرّكاتهم.
وفي هذا السياق، سبق لبلدية اليمونة أن أكّدت ثقتها بالدولة، وأبلغت الأجهزة مراراً وتكراراً بضرورة التحرّك على هذا الصعيد للحفاظ على الثروة الحرجية، بل قدّمت صوراً ووثائق تكشف قطع هذه الأشجار وتدمير المحميّة، لكن من دون الحصول على أيّ نتائج.
كذلك، صدر بيان موقّع من بلدية وأهالي اليمونة، ناشدوا فيه بشكل عاجل وفوريّ وزير البيئة ناصر ياسين، ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، والنائب العام البيئي في البقاع القاضي إياد بردان، والأجهزة الأمنية المعنية، التحرّكَ السريع لوقف الأضرار البيئية التي تحدث في المحمية، نتيجة قطع الأشجار الدهريّة، خصوصاً اللزّاب المعمّر.
وأكد البيان أن البلدية تقوم بواجبها بقدر إمكانياتها المتواضعة، بالتعاون مع الأهالي، وبجهود فرديّة في أغلب الأحيان، علماً بأن هذه المرة ليست الأولى التي تستغيث فيها بالجهات المعنية، من دون أن تصل إلى أيّ نتيجة.
وأمل البيان في أن تتحرك الدولة وأجهزتها الرقابية، لأنه لم يعد بالإمكان السكوت عن الجريمة التي تحدث بحق البيئة والوطن.
وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أنه بين مطرقة “قبّة باط وزارة الزراعة والقوى الأمنية” وسندان عجز الطبيعة عن مجاراة القطع الجائر، تبدو الثروة الحرجية هي الضحية الوحيدة. فالأشجار المعمّرة التي يتمّ قطعها من أجل إنتاج الحطب لا تتكاثر بسرعة، وتحتاج إلى مئات السنين لتنمو من جديد، تزامناً مع انحسار الغطاء الأخضر وفقدان كميات من المياه الجوفية.
وتعليقاً على جرائم قطع الأشجار المعمرة، وفي حديث مع “النهار”، استنكرت رئيسة جمعية سياحة اليمونة السيدة صوفيا شريف “الاعتداء الغاشم والهمجي على محمية اليمونة حيث يتم قطع الأشجار القديمة لبيعها والحصول على المال”.
وأضافت “نرى تغييراً في معالم أحراج المحمية، في الوقت الذي تحاول فيه الجمعية زيادة وتيرة زراعة الأشجار وحمايتها”.
وقالت شريف: “يُسمح عادة لسكان المناطق الجبلية والمحميات الطبيعية بقطع الأشجار الضعيفة فقط، تحت إشراف مختصّين. لكن لامبالاة المعنيين في الدولة والمجتمع في الأسابيع الأخيرة أدّت إلى تفاقم هذا القطع غير القانوني بطريقة عشوائية، وبطريقة لا تسمح للأشجار بالنمو مرة أخرى. وذلك يعني القضاء عليها بشكل كامل، ممّا يهدّد الغطاء الحرجيّ في عموم البلاد، وينذر بكارثة بيئية وتدمير للتنوع البيولوجي الأول والوحيد في لبنان، ناهيك بتراجع المساحات الحرجية في لبنان بشكل عام بمعدّلات متزايدة مقارنة بالسنوات السابقة”.