صحيفة النهار
ما تبلغه “حزب الله” من “حماس” وما قرر المضي به جنوباً
في الاسبوع الثاني لعملية حركة “حماس” في غزة المسماة “طوفان الاقصى” يعتبر “حزب الله” انه تخطى مرحلة الارباك وتشتت الخيارات التي وسمت حركته في الايام الاولى للمعركة، وانه استطرادا حجز مكانا متقدما له في الميدان حتى انه صار يتصرف على اساس انه و”حماس” سواء بسواء، هو من معقله الحصين في الجنوب وهي من غزة، ويعدان نفسيهما انهما في مواجهة ليست بالقصيرة فضلا عن انها حافلة بالمفاجات
المعلوم ان الحزب صرف منذ الساعة الاولى لعملية “حماس”جهودا للبحث عن سبل تنطوي على قدر من المشروعية والمرونة لكي ينضم الى هذه المواجهة وان يكون جزءا اساسيا منها على نحو لايظهره بمظهر المبادر الى مهاجمة اسرائيل، وتبيح له الانكفاء عن صدارة المشهد اذا ما وجد في الاحجام ضرورة. وعليه اعتبر كثر بداية ان الحزب محرج ومربك خصوصا انه الهدف الثاني المطلوب راسه بعد الانتهاء من “تأديب حماس” ، خصوصا عندما دعا الاميركيون صراحة الاسرائيليين الى الانصرف الى مواجهة “حماس” في غزة على ان يتكفل هو بأمر مواجهة الحزب وتقييد يديه عن اي فعل ومبادرة من جهة اخرى
واعد الحزب العدة التبريرية للتأخر عن ولوج الميدان مباشرة من دون اعتباره تهربا، وذلك من خلال الترويج لمقولة لاقت اذانا صاغية عند جمهوره انطلاقا من ان دخوله المباشر على المنازلة المحتدمة منذ صبيحة السبت ما قبل الماضي سيكون بمثابة تحويل لوجهة الصراع من كونه صراعا فلسطينيا اسرائيليا او انه استتباع للصراع العربي الاسرائيلي ليصير صراعا اقليميا بين ايران و”اذرعها ” وبين اسرائيل، فتفقد “حماس” والحال هذه موجة التعاطف الاسلامي – العربي والسني خصوصا معها، فيكون سهلا على تل ابيب والغرب ان تضيق الخناق عليها وتحاصرها بتهمة الولاء للمحور الايراني وبشبهة انها خط الدفاع عنه
وهكذا تموضع الحزب تدريجا في الصراع المفتوح عبر فتح جبهة الجنوب امام كل الاحتمالات لتكون بموازاة جبهة غزة او لتكون بمعنى اخر الاحتياط الاستراتيجي لها بعدما ابلغ الحزب كل من يعنيهم الامر ان امر مشاركته في المواجهة المفتوحة مرهون بمسار التطورات الدراماتيكية في جبهة غزة الملتهبة، فهو سيبقى على تخوم هذه المعركة مادامت اسرائيل خارج النطاق الجغرافي لغزة وقطاعها كما كان الوضع حتى صباح السابع من تشرين الاول الحالي. اما اذا قررت اسرائيل اجتياحا بريا فهو سيكون حتما في حل من اي تعهد او التزام بالحياد
وبناء على كل هذه الوقائع عمد الحزب الى تامين عبور تدريجي الى المعركة. اذ لم تمض 12 ساعة على بدء “حماس” عمليتها حتى كانت مدفعية الحزب تقصف ثلاثة مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا اي انها اختارت الميدان المشروع كون تلك المزارع ارضا متنازعا عليه وفق القانون الدولي وهو كان استخدمها عشرات المرات لتوصيل رسائل او ليرد ردا عاجلا على ضربة اسرايلية وجهت له
وفي تطوير اخر للمعركة “رعى” الحزب عملية زج العامل الفلسطيني في المواجهة اذ في اليوم الثالث للمعركة كانت مجموعة من “الجهاد الاسلامي” تقص الشريط الحدودي قبالة الضهيرة الحدودية ( قضاء صور) وتتوغل مئات الامتار في عمق الجليل الاعلى المحتل وتشتبك مع موقع اسرائيلي متقدم. والحدث ليس في ان المجموعة التي فقدت نصف عناصرها نجحت في قتل ضابط اسرائيلي رفيع بل في انه للمرة الاولى منذ عام 1982 يكشف الفلسطيني عن حضوره المباشر في الصراع الحدودي بين لبنان والكيان. ما يعني في الحسابات العسكرية والسياسية سقوط مفاعيل اجتياح عام 1982 وخروج الجسم العسكري لمنظمة التحرير الفلسطيني من لبنان عبر مرفأ بيروت، ما يعني استطرادا واقعا جديدا في معادلة الصراع التاريخي استكملت حركة ” حماس ” تكريسه من خلال تنفيذها قصفا بالصواريخ للمواقع الاسرائيلية عبر الحدود. وبعده بنحو 24ساعة كانت مجموعة من حماس تلج تسللا الى العمق الاسرائيلي من جهة مستوطنة المطلة لتدخل في اشتباك مع القوات الاسرائيلية ادى بحسب الحركة الى سقوط ثلاثة من عناصر المجموعة
ولم يمض الوقت حتى كان الحزب يلجا الى خطوات اخرى يسقط عبرها تماما مفاعيل القرار الاممي الرقم 1701 الصادر عام 2006 من خلال قصف عنيف بالصواريخ والقذائف الصاروخية والمدفعية استهدف عددا من الاهداف الاسرائيلية بدء من جبهة علما الشعب قرب الناقورة وصولا الى مزارع شبعا مرورا بعلما الشعيب والعديسة وسواها
وعلى الاثر تكرس دخول الحزب ومن معه الى المواجهة لكنه ظل دخولا مقيدا الى حد بعيد بقواعد الاشتباك التقليدية، وان اتسم بالضراوة والسخونة اذا اسفر عن سقوط خمسة من مقاتلي الحزب وخمسة اخرين من حركتي الجهاد وحماس فيما اقرت القيادة الاسرائيلية بسقوط ما لايقل عن سبعة من عسكرييها
وعلى وقع هذا المشهد المحتدم اتى وزير الخارجية الايراني حسين عبد الامير اللهيان الى بيروت ليتصرف بعد لقائه الامين العام للحزب واجتماعه مع قيادتي حركتي حماس والجهاد تصرف “المنتصر” والمحدد لخريطة الطريق للخروج من الازمة وفق تفسيرات الخبراء . وقبل مغادرته الى الدوحة ظهرعبد اللهيان من سفارة بلاده ليخاطب الاسرائيليين والغرب عموما بالاتي : “تعالوا الى طاولة التفاوض السياسي قبل فوات الاوان. ثمة فرصة متاحة الان للحل السياسي ولكن اذا ما فوتت ودخل الحزب على خط المواجهة مباشرة فانتظروا ساعتها زلزالا سيحدث ولايمكن التكهن بالنتائج والتداعيات”
ولم يكن هذا الامر وحده عنصر التشجيع ورفع المعنويات للحزب، اذ انه كان يرصد مسار الاوضاع في غزة وخرج بالاستنتاج الاتي :
-ان حركة حماس ابلغته رسميا انها مازالت على رغم كل شيء تمسك بـ “عنصر السيطرة والتحكم “وهي قادرة على الصمود لاشهر
– كما ابلغته الحركة انها وهي التي قطع مقاتلوها عشرات الكيلومترات للوصول الى المواقع والمستوطنات الاسرائيلية وضعت في حساباتها ان اسرائيل قد ترد بالدخول الى غزة واعدت العدة لهذه الساعة
– ان الحركة على ثقة بان اسرائيل مربكة حيال اجتياح بري لغزة وعليه احتمال عدم دخولها وارد وقد تتبع تكتيكا اخر يتمثل في زيادة الضغط العسكري على الاهالي وتدمير المدينة لتحسين شروطها
وحيال ذلك فان الحزب وفق متصلين به “سيظل يتعمد سياسة الغموض البناء فهو غير مضطر الى تطمين احد”. واذ كانت تلك مسلمة اطلقها منذ بداية الاحداث فانه لايستنكف عن الاعلان بانه ماض قدما في ابقاء الوضع على الحدود في حال تسخين دائم حتى اذا احتاج الامر الى اكثر من ذلك يكون هو بكامل جهوزيته للتعامل مع اي تطور يقتضي منه ان يبدل تعاطيه