خاص الهديل:
عندما كان ياسر عرفات في ذروة قيادته للعمل الفدائي الفلسطيني، كانت حركته وزعامته وقضيته مؤيدة من بحر واسع من الجماهير الإسلامية السنية الذي يبدأ من حي البسطة وحي الفاكهاني في بيروت حيث كان مقره، إلى آخر قرية في أندونيسيا، مروراً ووصولاً لبيئات أخرى تقطن في أصقاع مختلفة من العالم.. ومع ذلك، فإن عرفات حينما كانت تضيق عليه الظروف السياسية والعسكرية، كان يسارع للشكوى قائلاً لشعبه: “نحن الفلسطينيون.. شعب الجبارين: يا وحدنا”!!.
اليوم يوجد صدى قوياً رغم أنه صامت ومكبوت داخل حماس لنداء عرفات: “نحن الفلسطينيون.. شعب الجبارين: يا وحدنا”..
ويتم بين يوم وآخر من زمن حرب طوفان الأقصى، سماع أصوات داخل حماس تطلق “صرخة يا وحدنا”، ولو بأسلوب غير مباشر وبطريقة تبقي شعرة معاوية مع حلفائه.. وتحدث هذه الشكوى من حماس رغم أنها مؤيدة بشكل من الأشكال من أطرف محور الممانعة الإيراني المترامي الأطراف والذي يشمل حزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي والحرس الثوري وحلفائهما في سورية، والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن…
والواقع أن شعور حماس بأن “شعار يا وحدنا” لا زالت مفاعيله سارية على الشعب الفلسطيني، يعود لأسباب كثيرة وبعضها نفسي وموروث من فترات النكبة الأولى؛ ولكن يظل أبرزها وجود قراءة صامتة هذه الأيام لدى حماس ترى بأن محور الممانعة الاقليمي الذي تنتمي إليه، لم يدخل معها في حرب طوفان الأقصى الشاملة، بقدر ما أن كل طرف داخل هذا المحور يحاول جاهداً أن يكون له حيثية أو سهماً داخل صورة انتصار عملية طوفان الأقصى؛ وعليه فإن أطراف محور الممانعة تتجنب أن تدفع ثمن الدخول الكلي في حرب طوفان الأقصى..
وربما راهنت أو تصورت حماس مع بداية هذه الحرب، أن جميع أطراف محور الممانعة سيصطفون وراء قيادتها لحرب طوفان الأقصى لحظة اندلاعها، وذلك اعترافاً منهم لها بأنها أطلقت الرصاصة التاريخية لفتح المجال أمام تسحيل أكبر انتصار لمحور المقاومة والممانعة الإقليمي على إسرائيل؛ ولكن حماس تفاجآت بأن الطرف الأكبر في محور الممانعة وهو حزب الله، وأن الدولة الراعية لمحور المقاومة وهي إيران؛ رفض كل منهما الدخول الشامل في حرب لم يحددا هما بنفسيهما موعد بدئها ولا أجندتها.. وأكثر من ذلك لم يخف لا الحزب ولا طهران موقفهما هذا على حماس، بل أعلناه علناً أمام ممثليهما في الحوارات التي دارت معها؛ وبدل أن يلتحق أكبر أطراف محور المقاومة والدولة الراعية للمحور، بحرب حماس قررتا الاكتفاء بدعم حماس وذلك بالطرق العسكرية أو السياسية التي يرانها مناسبة لتصورهما لمجريات حرب غزة..
هناك حتى داخل حماس من استدرك بمفعول رجعي واعترف بحقيقة أنه لم يكن من الصواب الرهان على أنه يمكن أخذ قرار ببدء حرب أو احتمال التسبب بإشعال حرب، من دون وضع جميع أطراف المحور وخاصة حزب الله وإيران، بتفاصيل هكذا قرار.. كان من الخطأ تصور أن حماس تستطيع جر عربة إيران الضخمة وراء حصاني أجندتها..
الأمر الأساسي الآخر الذي شكل لحماس صدمة غير متوقعة من قبلها، أو الذي تسبب لديها بضيق عميق، هو عدم ظهور موقف عملي قوي من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المنتشرة أذرعه في كل أنحاء العالم..
وبخصوص هذه الجزئية تجدر الإشارة إلى أن حماس تعتبر حركة إسلامية هامة، وهي لديها مرجعيتان إثنتان كبيرتان عالميتين: المرجعية الأولى تتمثل بانتمائها التحالفي للمحور الإيراني الإقليمي القوي.. والمرجعية الثانية تتمثل بانتمائها العضوي للمحور العالمي المعروف بإسم التنظيم الدولي للأخوان المسلمين..
..والسؤال الراهن الذي يدور همساً داخل بيئات حماس، هو أنه إذا كان محورها الإقليمي الإيراني قرر أن يشاركها طوفان الأقصى وفق مصالح أجندته، وليس وفق ما تريده أجندة حماس؛ فإن السؤال الصادم لحماس هو أين التنظيم الدولي للإخوان الذي تجمعه بحماس أجندة المشروع الإسلامي الحركي الواحد(؟؟)؛ ولماذا لم يقدم في سبيل حرب طوفان الأقصى أكثر من جهد تنظيم التظاهرات؟؟.
ثمة إجابة عن هذا السؤال يتم التهامس بها داخل بيئات حماس، ومفادها التالي:
ان حرب طوفان الأقصى جاءت في وقت تعاني منه تنظيمات الإخوان المسلمين في كل دول المنطقة، وأيضاً في الكثير من دول العالم من حالة انحسار وتراجع كبيرين؛ ومثال على ذلك ما حصل للإخوان المسلمين في مصر، حيث فقدوا السلطة والشرعية هناك، وأصبح قادتهم نزلاء السجون؛ وأيضاً ما حصل لإخوان راشد الغنوشي في تونس الذي أخرج من رئاسة البرلمان؛ ونفس الأمر أصاب إخوان المغرب.. وحتى إخوان ليبيا الذين يربح عليهم جيش حفتر المؤيد من مصر والإمارات بالنقاط، الخ..
وبسبب وضعهم هذا؛ فإن ما حصل هو أن جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، وأيضاً في العالم، وجدوا في مناسبة حرب طوفان الأقصى فرصة ذهبية للإستثمار الاحتفالي بها من أجل إعادة بريق صورتهم داخل دولهم وبين شعوبها التي فتر تأييدهم لها، بأكثر مما وجدوا فيها دعوة لهم للتضحية بحالة المساكنة المتبقية بينهم وبين سلطات دولهم التي ستبادر للإمعان في قمع ما تبقى من وجودهم، فيما لو بادر الإخوان عسكرياً بدعم المجهود الحربي الفعلي لحماس ولحرب طوفان الاقصى..
.. وبمعنى أوضح ومباشر فإن إخوان العالم اتخذوا من عملية ٧ أكتوبر فرصة كي يعيدوا لأنفسهم حضورهم الشعبي، بدل أن يصرفوا ما تبقى لهم من حماية ضئيلة لوجودهم في دولهم للقتال إلى جانب حرب حماس في غزة…
.. والخلاصة الأساسية هنا من وجهة نظر ما تعتقده حماس في قرارة نفسها هي أن حلفاءها في محوري الممانعة والتنظيم الدولي للإخوان، يحاولان الحرص على تواجدهما إعلامياً ورمزياً داخل صورة انتصار عملية ٧ أكتوبر، ولكنهما يحرصان على عدم دفع الكلفة المطلوبة في الحرب التي بدأت يوم ٨ أكتوبر.. وأيضاً في الحرب التي بدأتها حماس وليست الحرب التي بدأها المحور..
ووفق منطق حماس هذا؛ فإن حرب طوفان الأقصى هي مرحلتان الأولى عنوانها صورة انتصار عملية ٧ أكتوبر؛ والثانية عنوانها ملحمة حرب يوم ٨ أكتوبر المستمرة حتى الآن؛ وكان لافتاً – ودائماً من منظار حماس – أن الجميع سارع لأخذ مساحة لهم داخل إطار صورة انتصار ٧ أكتوبر، وذلك من خلال اعتماد صيغة دعم أو إسناد عملية طوفان الأقصى، بينما ما تريده حماس هو دخولهم إلى جانبها بوفق صيغة الانخراط الكلي بحرب يوم ٨ أكتوبر!!..