خاص الهديل:
في خلال الأيام القليلة الماضية التقى الرئيس ميقاتي بالرئيس الفرنسي ماكرون وبالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأيضاً بشخصيات دولية عديدة بينها السفيرة الأميركية في بيروت.. وجميع هذه اللقاءات والاتصالات كانت تهدف إلى بحث كيفية منع الضرر عن لبنان الذي يمر في هذه المرحلة في عين العاصفة على غير مستوى.
والواقع أن حيوية الرئيس ميقاتي داخل المجتمع الدولي هي واحدة من استراتيجيات العمل لديه، وذلك لتعويض شلل حيويات بعض الأطراف الداخلية اللبنانية التي تجعل من تعطيل عمل الحكومة وسياساتها الوطنية، تكتيكاً سياسياً تمارسه بشكل يومي، وتراهن عليه كي يكسبها نجاحات شعبية ضيقة تضر بمصالح الناس ولا تؤمن حاجات البلد.
وضمن هذا السياق عن الحضور الدولي الفعال لميقاتي؛ يجدر الإقرار بأهمية الدينامية التي يمتاز بها في مجال جعل علاقاته الدولية والإقليمية الثرية بمثابة وصفة تفيد في جعل لبنان موجوداً في قلب حركة المجتمع الدولي..
والواقع أن سمة الإحترام الخارجي الدولي والإقليمي لموقع رئيس الحكومة وللرئاسة الثالثة، أصبحت مكسباً إيجابياً لموقع الرئاسة الثالثة في لبنان؛ والسبب في ذلك يعود للرئيس ميقاتي الذي أعطى من رصيده الشخصي الخارجي الكبير على نحو راكم في هذا المجال على إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري.. والواقع أن هؤلاء الرؤساء الثلاثة – الحريري الأب والإبن وميقاتي -، جعلوا لموقع رئاسة الحكومة فعالية دولية جاءت لهذا الموقع من خلال فعاليتهم الشخصية الدولية؛ ولكن الأهمية هنا هي أن امتيازهم الدولي والإقليمي صرفوه في خدمة تعزيز تارة / أو تصحيح تارة أخرى، مكانة البلد في الخارج؛ وأيضاً في خدمة تعويض لبنان ما شوهته الأحداث لصورته الخارجية..
إلى ذلك، يمكن القول بكثير من الثقة أن أحد إنجازات ميقاتي داخل حسابات السنة تجاه موقع رئاسة الحكومة وتجاه معادلة مشاركتهم في إنتاج توازنات الحكم، يكمن في أنه حافظ على مكانة هذا الموقع في إدارة استمرارية الحكم، وحافظ على مكانة هذا الموقع داخل المجتمع الدولي، حيث أنه على هذا المستوى، أضاف ميقاتي لمعنى الرئاسة الثالثة دولياً، تعزيزاً مهماً واحتراماً إضافياً.
.. وهكذا مع ميقاتي يستمر موقع رئاسة الحكومة بتأمين تلبية موجبات حاجة لبنان للتواصل مع المجتمع الدولي على نحو يتسم بالاحترام والقدرة على اختراق الجدار الصلب؛ وهذه ميزة بدأت مع الرئيس رفيق الحريري مروراً بنجله الرئيس سعد الحريري وتستمر حالياً مع الرئيس نجيب ميقاتي.
والحق يقال في هذا المجال أن الرئيس نجيب ميقاتي يحكم في هذا الظرف الصعب، انطلاقاً من إرادتين إثنتين وطنيتين يمتاز بهما على نحو لافت؛ وهما إرادتان ظاهرتان لمن يريد أن يعترف بالحقائق، وليس لمن يريد أن يرفع كفه بوجه الشمس:
الإرادة الميقاتية الأولى تتمثل بحسن استخدامه لصلاحياته في ظرف أنه يقود حكومة تصريف أعمال في بلد تحتاج الأمور لتسير به بالحد الأدنى، إلى حكومة بصلاحيات مطلقة وليس فقط عادية.. ومع ذلك يجيد الرئيس ميقاتي توظيف صلاحيات حكومته الراهنة في خدمة دفع الأزمة الثقيلة، قدر الإمكان، عن صدر البلد والمواطن..
وضمن “حيويات هذه الإرادة”، يحرص ميقاتي على ممارسة السياسة بأفق وطني – سياسي، وليس بأفق سياسي صرف أو بأفق سياسي تقليدي أو مصلحي.. وهذا ما يفسر لماذا نأى ميقاتي بنفسه عن دخول معترك آخر انتخابات نيابية، وبدل ذلك قرر أن مهمته الوطنية الكبرى هي إجراء الانتخابات والنجاح بإجراء هذا الاستحقاق الديموقراطي الوطني، وليس النجاح بمساعدة نيابة أو تحقيق الفوز السياسي بنتائج انتخابات طرابلس.
.. وهذا ما يفسر أيضاً لماذا يتقصد ميقاتي أن يقف عند الاستحقاقات الوطنية التي امتهن البعض أسلوب تحويلها إلى أزمات وطنية، في منتصف التوازنات حتى يمكنه أن ينتج حلولاً للمشاكل، وليس غلبة داخلية تؤدي إلى التعطيل.. وعليه، كان الأهين على ميقاتي أن يربح انتخابات عاصمة الشمال النيابة، ويقول لخصومه السياسيين أنه يملك مدافع سياسية وليس فقط حكمة قيادة وخامة زعامة وطنية وتفضيل أولوية المصالح الوطنية.. ولكن ميقاتي يدرك أن مسؤوليته الوطنية الراهنة تكمن في أن يكون رجل دولة ورجل للوطن.. وهو ماض في هذا الخيار.
الإرادة الميقاتية الثانية، يركز فيها ميقاتي على مهمة حمل البلد على كتفيه، والعبور به من ضفة الرمال المتحركة إلى “ضفة السلامة الأخرى” التي تبدو بكل مقاييس التحليلات السياسية والوقائع الاستراتيجية الراهنة، بأنها لا تزال بعيدة، وأن هدف الوصول إليها هو مشوار شاق ومتعب ومؤلم.. ولكن في سريرة ميقاتي الوطنية هناك قرار لا عودة عنه، وهو تجاوز كل الصعاب والتعب من أجل إيصال الأمانة – أي البلد والوطن والدولة بغض النظر عن الأضرار التي لحق بها – إلى “ضفة السلامة الأخرى” التي هي حصيلة تسويات كبرى تنتظرها كل المنطقة وليس فقط لبنان؛ والتي هي خروج لبنان من حفرة الوهن والمرض إلى طفرة النهوض من جديد.. إن ميقاتي في مهمته الوطنية يؤدي مهمة الجسر العملاق الواصل بين مهمتي منع الانهيار ولو باللحم الحكومي الحي والصمود حتى يبزغ الفجر ويصل لبنان لضفة السلامة الأخرى..
وهذه المهمة التي يعيش ميقاتي أرقها الليلي، وصداعها اليومي وصمود ارادته لإنجازها، هي مهمة ينجح ميقاتي بها؛ ولكن مفارقة ميقاتي تقع في أن النجاح في هكذا نوع من المهام الكبرى التي تتطلع إلى خلاص الوطن والدولة من الإنهيار الكامل، هي مهمة لا يراها الكثيرون من الناس، بل يراها التاريخ وسجله المخصص للكتابة عليه بحبر راحة الضمير الوطني..