خاص الهديل:
تتضمن الرسائل الغربية التي تصل إلى بيروت، أو التي يحملها معهم الموفدون الغربيون إلى المسؤولين اللبنانيين، معنى واحداً وهو “تفريغ منطقة الـ١٧٠١ من سلاح حزب الله”؛ وهذا المطلب هو أحد بنود القرار ١٧٠١ الذي وقّع عليه لبنان بموافقة حزب الله.
ويقول العالم في هذه اللحظات الصعبة لبنان: يجب تنفيذ القرار ١٧٠١ سلماً أو حرباً!!.
.. وبالظاهر يبدو هذا الطلب الدولي منطقي لثلاثة أسباب؛ أولاً لأنه قرار دولي وافق عليه لبنان؛ وثانياً لأن حزب الله وافق عليه؛ وثالثاً لأن القرار ١٧٠١ بات يعتبر من وجهة نظر دولية أنه تم خرقه ويحتاج لصيانة عاجلة، وذلك بسبب انعكاسات حرب غزة عليه.. ولذا، فإن المطلوب تنفيذه حتى يتم وقف مسار حصول تداعيات أكبر لحرب غزة على لبنان، وأيضاً من أجل إقفال ملف المواجهة الحربية الجارية حالياً بين إسرائيل والحزب التي قد تتحول حتماً إلى حرب، فيما لو ظل القرار ١٧٠١ غير منفذ بكل بنوده، وفي حالة خرق علني له من قبل حزب الله..
أما في جوهر الأمور، فإن مطالبة لبنان اليوم بتنفيذ القرار ١٧٠١ سلماً أو حرباً وحالاً؛ فهي مطالبة تساوي توجيه تهديد دولي للبنان وليس توجيه مقترح حل..
لماذا؟
لأن ظروف لبنان الداخلية لا تساعد ولا تتحمل وضعه أمام مطالب دولية تحرك مطلقيها ذهنية الضغط والتهويل وعرض الموقف على لبنان، وكأنه يتفاعل ضمن أجواء الفصل السابع.. فصحيح أن العالم يطلب من لبنان أن ينفذ بنود قرار صادق عليه ووافق عليه، بما في ذلك حزب الله المعني الأساسي بتفريغ منطقة الـ١٧٠١ من سلاحه. ولكن الصحيح أيضاً أن اللبنانيين وقعوا ووافقوا على اتفاق الطائف الذي ينظم حياتهم السياسية وحياة دولتهم، ولكنهم حتى الآن لم يطبقوا كل بنوده، وذلك بنفس الطريقة التي لم يطبقوا فيها كل بنود القرار ١٧٠١.
وقد يقول قائل أن هناك فرقاً بين موضوعي الطائف والقرار ١٧٠١، ولكن الواقع أنه لا فرق بينهما. وذلك من زاوية أن لبنان يمر “بمرحلة نقاهة استراتيجية”، وأنه “يحتاج لتمرحل” حتى يستطيع أن يلبي كل ما هو مطلوب منه داخلياً (تطبيق كل اتفاق الطائف) وكل ما هو مطلوب منه خارجياً (تطبيق كل اتفاق القرار ١٧٠١).
.. حتى حزب الله يحتاج “لمرحلة لقط أنفاس استراتيجية” يجري خلالها عملية تكيف مع تطورات إقليمية حادة نتجت عن عملية طوفان الأقصى، التي لم يكن الحزب مشاركاً بقرارها؛ وعليه فهو لم يكن قد حسب لها سلفاً حسابات كلفتها السياسية عليه، سواء داخل لبنان أو على مستوى المنطقة..
من الطبيعي أن يرفض الحزب ومعه لبنان تطبيق مسار الاتفاق الدولي على مستقبل غزة، على مستقبل لبنان؛ وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها لأن الدوليين يتحركون لتخطيط مستقبل غزة انطلاقاً من مسلمة لم تحدث بعد؛ ومفادها أنه تمت هزيمة حماس؛ فيما الواقع يقول أن حرب غزة لم تنته بعد؛ وحتى على فرض أن حماس هزمت في غزة؛ فإن الواقع بالنسبة للبنان ولحزب الله يقول أنه من الخطأ أن يتصرف الدوليون وفق منطق أن على لبنان أيضاً دفع ثمن هزيمة حماس في غزة، وذلك من خلال قيام الدولة اللبنانية على وجه السرعة ومن دون نقاش بتطبيق بقية بنود القرار ١٧٠١ التي لم تطبق بعد، وعلى رأسها سحب سلاح حزب الله من منطقة جنوب الليطاني..
ومن الواضح هنا أنه حتى لو كان الحزب يريد التراجع مع سلاحه إلى ما وراء منطقة القرار ١٧٠١؛ فإنه لن يفعل ذلك في سياق إسرائيلي وغربي يصوره وكأنه يتراجع تحت ضغط هزيمة حماس وتحت ضغط حرب السيوف المسنونة الإسرائيلية على غزة.
الواقع أن التصرف الدولي هذا، الذي يحاول إسقاط نتائج حرب غزة الدولية على لبنان، هو الذي يعرض لبنان لأن تنتقل إليه حرب غزة. ومفاد المقصد هنا هو أنه يجب تجنب الربط بين نتائج حرب غزة على مستوى مستقبلها كما يتصورها الدوليون، وبين مسار تصحيح الخراب الذي طرأ على القرار ١٧٠١؛ ذلك أن مشاكل القرار ١٧٠١ من الجانبين الإسرائيلي واللبناني، لم تولد مع حرب غزة، بل هي سابقة لها؛ أضف أن خصائصها ليس كلها مرتبطة بوضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لا شك أن الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان أخطأ حينما حمل معه إلى لبنان تهديداً على وقع طبول حرب غزة؛ وكان – ولا يزال – الأجدر بالفرنسيين اقتراح أن يسعى اللبنانيون بمساعدة دولية للخروج من أزمتهم عبر الربط بين ضرورة تطبيق كل بنود الطائف بضرورة تطبيق كل بنود ١٧٠١ وحل مشاكله الناتجة عن جانبيه الإسرائيلي واللبناني، بدل ربط تنفيذ الأخير (١٧٠١) بنتائج حرب غزة او حتى بمسارها.
والواقع أن استشهاد الرقيب اللبناني داخل منطقة عمليات الـ١٧٠١؛ إنما يؤشر بشكل سافر إلى اختراقات إسرائيل للقرار ١٧٠١، كون التعرض من قبلها لمواقع الجيش اللبنلني في منطقة عملياته مع اليونيفيل، يدلل على أن خرق هذا القرار يتم أيضاً من قبل تل أبيب، وليس فقط من قبل حزب الله بحسب إدعاء الإسرائيليين وحلفائهم الغربيين..
وبكل الأحوال فإن زيارة وفد حزب الله أمس لحنبلاط وحتى لو جاءت بطلب من الأخير، إنما تدلل على أن انشغال حزب الله بتداعيات خرب غزة عليه؛ بدأت تلفت نظره إلى أن الجبهة الداخلية هي الجزء الأهم في نتائج خرب غزة على لبنان. ولذلك فإن المطلوب التحرك نحوها والمساهمة في حل المشاكل الداخلية التي بات لها فتائل قابلة للاحتراق بفعل النار الآتية إلى لبنان من الخارج..