خاص الهديل:
يوجد لبنيامين نتنياهو قصة طويلة مع الحزب الديموقراطي الأميركي؛ وهي قصة قاتمة وغير وردية بكل فصولها؛ وبداية الخيط فيها بدأت بخلاف نتنياهو مع الرئيس باراك أوباما، وهو خلاف انتقل إلى الرئيس الديموقراطي الحالي بايدن..
يتعارف الإسرائيليون على تسمية نتنياهو بلقب “بيبي” وهو إسم التحبب له.. وصار الإسرائيليون يحفظون تفاصيل “بيبي” عن ظهر قلب؛ ويعترفون له بأنه يتقن المناورة السياسية؛ ويتابعون سيرته مع زوجته القوية والمؤثرة في حياته “سارة نتنياهو”، الخ..
وبالعودة إلى قصة خلاف “بيبي” مع الحزب الديموقراطي الأميركي، فهي بدأت مع بروز دعم باراك أوباما للثورة المصرية؛ حينها اعتبر نتنياهو أن استقرار المنطقة وبقاء حكامها، وخاصة منهم المخلصون لواشنطن وغير المعادين لإسرائيل، هو عامل يوفر الاستقرار الذي هو أهم من تحقيق الديموقراطية في الشرق الأوسط.
ولكن الديموقراطيين في أميركا اتهموا نتنياهو بأنه يغالط ويناقض نفسه؛ حيث أنه حينما بدأ أول إطلالته السياسية في إسرائيل كان نشر كتاباً له بإسم “تحت الشمس”؛ وملخص فكرته تقول أنه لن يكون هناك سلام بين إسرائيل والدول العربية إلا إذا اعتنقت هذه الدول الديموقراطية؛ ذلك أن الأنظمة الديكتاتورية لا تسعى للسلم بل للحرب.
.. ولكن نتنياهو تخلى عن نظريته هذه بمناسبة حدوث الثورات العربية وقيام أوباما بدعمها بدعوى أنه يريد تحقيق الديموقراطية في الدول العربية، وحينها كان بايدن نائبه..
وكتب أحد صحفيي هأرتس آنذاك معلقاً على انقلاب بيبي على نظريته عن الديموقراطية كشرط للسلام مع العرب؛ وقال له: هناك مثل بريطاني شهير يقول “إحذر تحقق أفضل أمنياتك”.
.. ثم قبل ذلك وبعده، برز خلاف أكبر بين نتنياهو وأوباما حول موضوع انفتاح الأخير على إبرام اتفاق مع إيران حول ملفها النووي؛ ومشهورة آنذاك قصة أول لقاء جميع بين بيبي وأوباما بعد وصول الأخير إلى البيت الأبيض؛ حينها تسرب للرئيس الديموقراطي أن شمعون بيريز أقنع نتنياهو بأن عليه المبادرة بشن هجوم على إيران من دون أن يسق ذلك تنسيقاً مع إدارة بايدن التي ترفض قيام إسرائيل بهذا العمل والتي تريد أن تمضي بعقد اتفاق مع إيران رغم رفض إسرائيل.
وتسرب لأوباما أيضاً مضمون ما قاله بيريز لنتنياهو، وهو التالي:
– يجب أن تفعل كما فعل نابليون الذي لم يوافقه أحد على غزواته ولكنه عندما فعل ذلك التحق الجميع به. ونفس الأمر ستفعله أميركا عندما تجد أنك بدأت الحرب مع إيران..
– إن امتلاك إيران السلاح النووي يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل؛ والله شاء لك أن تكون أنت منقذ إسرائيل من هذا الخطر، كما شاء الله أن يتم على أيدي النبي موسى أن ينقذ شعب إسرائيل عندما قادهم في مغامرة عبور الصحراء..
– إن أميركا ليست قدر إسرائيل حتى تمنعها من المبادرة إلى الحرب ضد إيران لإنقاذ مستقبلها.
وحينما تم تحديد موعد لنتنياهو للقاء أوباما في البيت الأبيض، كان موضوع إيران على رأس جدول مباحثاتهما؛ وكان أوباما يدرك أن بيريز أقنع نتنياهو بأنه النبي موسى الذي سينقذ إسرائيل من الخطر النووي الايراني ..
حدث اللقاء آنذاك، وخلال ارتفاع حدة النقاش بين الرجلين، قال نتنياهو لأوباما: أنت لست الله حتى تمنع إسرائيل من الهجوم على إيران لنزع الخطر الوجودي عنها…
.. فرد عليه أوباما: صحيح أنا لست الله. ولكن أنت أيضاً لست النبي موسى!!
وانتهى اللقاء بين أوباما ونتنياهو على خلاف وبالتحديد حول الملف الإيراني؛ حيث تمسك أوباما بأن صلاحية معالجة هذا الملف هي بيد إدارته وحدها؛ فيما أصر نتنياهو أن له الحق بأن يكون شريكاً لأميركا في أخذ قرار الحرب أو السلم مع إيران.
وظل هذا الخلاف حول إيران قائماً حتى الآن بين الحزب الديموقراطي وبين نتنياهو؛ أو بتعبير آخر بين بيبي وبين الرئيسين الديموقراطيين أوباما وبايدن اللذين لا يعترفان بأن الله انتقى نتنياهو ليكون “النبي موسى هذا العصر بالنسبة لإسرائيل”..
وعندما دخل بايدن البيت الأبيض أراد تصفية حساب أوباما القديم مع نتنياهو من جهة، وأراد من جهة ثانية تصفية حسابه مع نتنياهو حليف ترامب الأساسي داخل إسرائيل.. ولكن حرب طوفان الأقصى دفعت بايدن ليجمد خلافه مع نتنياهو؛ كون الإدارة الديموقراطية اعتبرت أن إسرائيل في محنة بعد ٧ أكتوبر، وأن عليها حمايتها من حماس ومن إمكانية فتح ثلاث جبهات بنفس الوقت ضدها.. وقام بايدن بخطوات سياسية وعسكرية غير مسبوقة لإثبات أن واشنطن تقف بوجه أي خطر ممكن أن يواجه الكيان العبري.. ولكن بايدن ظل يفرق بين دعمه لإسرائيل وبين موقفه من نتنياهو؛ حيث أعلن منذ البداية أنه يختلف معه حول كيف يجب أن يكون عليه مستقبل غزة بعد اليوم الثاني من وقف الحرب؛ وبين أنه غير راض عن حكومة نتنياهو التي لا تعترف بحل الدولتين الذي تؤمن به الإدارة الأميركية.
غير أن بايدن حتى هذه اللحظة لا يزال يتفق مع الجيش الإسرائيلي الذي هو الطفل المدلل لواشنطن، مهما كان إسم رئيس أميركا؛ على نقطة أساسية وهي ضرورة القضاء على حكم حماس في غزة. والواقع أن نتنياهو يستفيد من هذه النقطة التي يستغلها لتأجيل وقف الحرب وحلول لحظة فتح بايدن الحساب معه لمساءلته عن الفشل داخل إسرائيل.
حالياً أرسل بايدن مبعوثين له إلى إسرائيل ليدرس موقف الحرب؛ وقد يخلص هؤلاء إلى قرار بأنه حان وقت وقفها؛ وحينها سيصبح نتنياهو أمام واحد من خيارين إثنين: إما الالتزام بما تريده أميركا؛ وعندها سيبدأ رحلة حسابه داخل إسرائيل وسط تجييش ضده من حلفاء بايدن الإسرائيليين؛ أو معارضة وقف الحرب، والتمرد على إرادة بايدن، رافعاً بوجهه ذات الشعار الذي رفعه بوجه أوباما حينما قال له: “أميركا ليست قدر إسرائيل”؛ ولكن بايدن سيرد حينها على نتنياهو بنفس الجواب الذي قاله أوباما له: وأنت أيضاً لست النبي موسى!!.