خاص الهديل:
شكّل اغتيال رضي الموسوي أمس مفاجأة للمراقبين الذين يرصدون حرب غزة وتداعياتها الإقليمية.. لم يكن هناك توقع بأن يوجه نتنياهو أوامره للجيش الإسرائيلي كي ينفذ في هذا التوقيت عملية اغتيال لها بُعد إقليمي خطر يتعلق بطهران مباشرة..
يجدر التوقف بعناية عند العوامل التي جعلت نتنياهو يقرر تحدي إيران في هذه اللحظة.. وفي طهران سيطرحون هذا السؤال على أنفسهم بوصفه السؤال الأهم الذي من خلال تقديم إجابة صحيحة عليه، يمكن لإيران حينها تحديد أي رد يناسب مصالحها وليس مصالح إسرائيل ونتنياهو، على اغتيال رضي الموسوي.
والسؤال المباشر هو لماذا قرر نتنياهو أن يستفز إيران في لحظة يعلم فيها أن “حليف إسرائيل الوجودي” بايدن يريد تبريد الجبهات، وذلك لصالح أن تستمر غزة هي الجبهة الوحيدة المشتعلة؟؟.
.. النظرية الأكثر رواجاً منذ وصول الأساطيل الأميركية إلى البحرين الأبيض والمتوسط، هي التي تقول أنه بمناسبة وجود أميركا عسكرياً في المنطقة وإعلانها أنها ستدخل الحرب في حال توسعت؛ فإن نتنياهو له مصلحة بتوسيع الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية، بغية توريط إدارة بايدن مباشرة فيما يمكن تسميته بحرب غزة الإقليمية حيث في إطارها تنشب المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وايران ما يجعل نتنياهو يحقق هدفه الإستراتيجي الذي يسعى إليه منذ سنوات طويلة..
وعليه يستبعد أن تنجر إيران الى القيام بردة فعل مباشرة وقوية على اغتيال رضي الموسوي خشية أن تمنح خطوتها هذه نتنياهو الذريعة الذهبية لتصعيد الموقف العسكري مع إيران، ما يسمح له بأخذ تطورات حرب غزة الى منحى أخطر وهو انفجار مواجهة إيرانية أميركية..
وإذا صحت هذه النظرية فهذا يعني أن إيران ستبحث عن “رد بارد زمنياً”؛ بمعنى أنها ستفضل اتباع مبدأ “رد غير سريع”؛ وهذا يعني أنها ستختار توقيتاً للرد لا تكون فيه درجة التوتر مرتفعة بين طهران وإدارة بايدن.. وواضح أن هذا الوقت المتسم بالسجال الساخن بين واشنطن وطهران بسبب اتهام بايدن إيران بالوقوف وراء قيام الحوثيين بتشويش الملاحة في البحر الأحمر، يعتبر (أي هذا الوقت) من وجهة نظر صانع القرار الإيراني أنه وقت غير مناسب للرد على إسرائيل عسكرياً، لأن هذه الخطوة ستزيد من التوتر الإيراني الأميركي وستأخذه إلى درجة احتمال المواجهة بينهما، وهو أمر لا تريده إيران، ولا تريد أميركا أن تجد نفسها مضطرة إليه.
ومن منظور آخر يستبعد أن توكل طهران لحزب الله في لبنان القيام بالرد على اغتيال رضي الموسوي؛ وما يعزز هذه النظرية هو أن إيران تريد لجبهة الجنوب بين حزب الله وإسرائيل أن تبقى على منسوبها المحسوب من التصعيد الذي لا يقود إلى حرب.. والنقطة الجوهرية هنا هي أن كلاً من إيران وواشنطن متفقتان على معادلة عدم توسيع حرب غزة؛ وكل منهما يقوم بجانبه بعدم توسيع الحرب ضمن نطاقه وشبكة تحالفاته في المنطقة؛ فبايدن يضغط على نتنياهو كي لا يورطها في حرب إقليمية وايران توجه أذرعها كي لا تتورط في حرب إقليمية وأن تبقى تحت سقف دعم حماس من خلال استراتيجية الإشغال العسكري لإسرائيل..
ورغم كل ما تقدم، فليس هناك من شك أن نتنياهو عبر إقدامه على اغتيال رضي الموسوي؛ إنما يريد الانتقال إلى استراتيجية العمل على البدء “بنكأ الوضع الإقليمي القابل للإنفجار”؛ فهو إلى جانب تقصد استفزاز إيران، كان قبل أيام بتسريب خبر عن خط فيلادلفيا كل هدفه استفزاز مصر وخلق جو من تصعيد التوتر أكثر بين تل أبيب والقاهرة. ومضمون ما فعله نتنياهو هنا هو أنه سرب عبر مصادر إعلامية قريبة منه أن الجيش الإسرائيلي يخطط للتحرك على خط فيلادلفيا الملاصق للحدود المصرية.. ومثل هذا التسريب يؤدي تلقائياً إلى استفزاز مصر، خاصة وأن الخبر عينه جاء فيه أن إسرائيل طلبت من الجيش المصري الإبتعاد من جهة الحدود المصرية عن خط فيلادلفيا. بطبيعة الحال نفت مصر الخبر ولكن صداه حقق هدف خلق حالة يريدها نتنياهو وهو رفع مستوى التوتر الإقليمي، وغايته من ذلك دفع العالم للنظر إلى أن الصراع الراهن هو إقليمي وليس فلسطيني إسرائيلي.. وأيضاً توريط الناتو وواشنطن بحرب مع إيران من خلال جذب الأخيرة عنوة عنها إلى مواجهة مباشرة مع الأساطيل الأميركية.
إن التجربة تقول أن إيران لا تريد مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية؛ بل تريد حرباً دبلوماسية معها ترسم لنفسها من خلالها صورة إعلامية تقدمها على أنها تقاتل من أجل المستضعفين؛ وتريد حرباً باردة معها؛ أي بواسطة الوكلاء وضمن حدود لعبة لها سقف وقواعد اشتباك مضبوطة.