“طفوا الكاميرات”
تختلف الأجهزة التي تصحّ تسميّتها بعين العدو: كاميراته المثبتة على طول الجدار الحدودي والأبراج، سلاح المسيّرات بمختلف أنواعها، كاميرات المحال التجارية والمنازل المتصلة بالإنترنت والهواتف الخليوية. أضف إلى كلّ ذلك، عينه البشرية المتمثّلة بعديد العملاء الذين يجنّدهم ويوكل إليهم مهام الرصد والمراقبة داخل القرى، وربّما اليونيفيل ومحاولات دورياتها المتقطّعة للدخول إلى الأحياء السكنية كما حدث منذ يومين في كفركلا.
بالنسبة إلى كاميراته التي يثبتها منذ سنين على الجدار الحدودي وعلى الأبراج المشرفة، بشكل مباشر على قرانا وبلداتنا، فقد تعاملت المقاومة معها بما يناسب: أطفأتها باستهدافها منذ بداية المعركة. وإن استخف البعض أو حاول تسخيف استهداف هذه “العواميد”، فذلك ليس سوى انعكاسًا للغضب الصهيوني الشديد من إخراج “كاميراته” عن الخدمة ما أدّى إلى جعله أعمى عند الجدار، الأمر الذي زاده تخبطًا وارباكًا في ما يخصّ أي حركة عند الحدود، فدخل في دوامة الذعر، وصار عاجزًا تمامًا عن إمكان التأكّد إذا ما عبّر مقاومون إلى فلسطين من الحدود مع لبنان أم لا.
سلاح المسيّرات الذي ينقل للعدو صورًا جويّة دقيقة عمّا يجري في المناطق التي يستهدفها ما يزال عاملًا وإن بحذر، بعد أن جرى اسقاط عدّة طائرات مسيّرة. وهو بالرغم من كلّ إمكاناته التصويرية العالية والمتطوّرة، لا يستطيع تقديم صورة وافية ما لم تصحبه “عين” أخرى تزيد من وضوح ما يرى أو تسهم في تحليله. فالصور الجوية مهما بلغت دقتها وقدرتها على رصد ما يجري على الأرض، تبقى غير كافية بالنسبة إلى العدو الذي بات يتطيّر من كلّ ما يتحرّك، في بعض القرى والمناطق المحاذية للحدود، والتي تتمتّع بميّزة التضاريس الطبيعية التي تمنع الرؤية عن عين المسيّرات.
من جهة أخرى، عمد العدو إلى اختراق كاميرات المنازل والمحال التجارية التي تصوّر بشكل اعتيادي الشوارع في القرى والبلدات الجنوبية بهدف الحصول على صور واضحة لكلّ حركة فيها. والأمر ليس سهلًا؛ فبالنسبة إلى العدوّ الذي يستخدم أحدث المعدات والبرامج التكنولوجية، مفيد جدًا له عندما يضيف المعطيات التي يتمكّن من تحصيلها عبر اختراق هذه الكاميرات البسيطة إلى تلك التي يحصّلها عبر المسيّرات فيحصل على صورة شبه كاملة للأرض وما يجري عليها. وبالتالي يصبح تشغيل هذه الكاميرات المتصلة بالإنترنت بحد ذاته عملًا خطرًا ضدّ المقاومين كما ضدّ المدنيين في القرى والبلدات. وبحسب بعض خبراء الاتصالات، لا يكفي فصل الإنترنت عن الكاميرا وإبقائها بحال التشغيل، فلدى العدو القدرة على اختراق بعضها من دون أن تكون متصلة بالإنترنت ويتوجّب على أصحابها فصلها نهائيًا. وبذلك تنطفئ تمامًا عين أخرى للعدو على أرضنا.
أمّا بالنسبة إلى الهواتف الخلويّة، فالأمر معقّد ولا سيّما أنّه بات معلومًا أن كلَ جهاز خليوي هو أداة رصد متصلة بالأقمار الصناعية ويمكن من خلاله تحديد الأماكن المراد رصدها، سواء بواسطة الخط المشغّل في الهاتف، أم بواسطة مراقبة اتصال هذا الجهاز بشبكة الإنترنت، حيث يمكن تحديد موقعه من خلال التقصّي عن شبكة الواي فاي المتصّل بها. وأكثر من ذلك، قد يتمكّن العدو بالتعاون مع مشغّلي بعض التطبيقات من اختراق كاميرا الهواتف ومكبّر الصوت فيها ، حيث تصبح عينًا له في داخل البيوت تفيده بتحديد من يتواجد بداخلها وما يفعل. صحيح لم يثبت حتى الساعة أي معطى يشير إلى استخدام العدو لهذه التقنيات المعقّدة في الرصد، لكن لا شيء أيضًا يؤكّد انعدام هذا الاحتمال. وبالتالي، يصبح توخّي الحذر في تنزيل لتطبيقات المشبوهة واستخدامها واجبًا، ولا سيّما بالنسبة إلى الأفراد الذي يعلمون جيّدًا أنّ ما يمكن لهاتفهم رصده قد يؤدي خدمات غير مقصودة للعدو. في المعركة، إعماء عين العدوّ واجب على كلّ من استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويمكن لأفعال بسيطة أن تسهم بشكل كبير في منع العدو من تجميع المعطيات، ولا سيّما الصور التي تفيده في تحديد أهداف ومواقع ليقصفها أو في تشكيل بنك أهداف قد يستخدمه في أيّ وقت لاحق.