خاص الهديل:
إمتاز العام ٢٠٢٣ بأنه عام المراوحة داخل مربع الفشل على مستوى معالجة أهم الملفات الداخلية، وذلك إبتداءً من ملف إنهاء الشغور الرئاسي مروراً بملف تحديد المسؤولية عن المتسببين بنهب أموال مودعي المصارف، وصولاً إلى إقرار العدالة بخصوص قضية تفجير مرفأ بيروت، الخ..
.. وبخصوص كل هذه الجرائم الكبرى لا يزال الجناة طلقاء، ولم يتبق من أثر لكل واحدة من هذه القضايا سوى لجنة أو جميعة تحيي ذاكرتها على نحو موسمي..
واخطر ما حمله العام ٢٠٢٣ هو أنه مضى من دون أن يتحقق فيه أي أفق سياسي يوحي بأن البلد لا يزال ممكناً إصلاح حاله؛ وأخطر ما يحمله العام الجديد هو أنه يحل على لبنان وسط مؤشرات لا توحي بأنه سيتم خلاله إنتاج أفق حل سياسي لأزمته التي تحولت من أزمة سياسية إلى أزمة دولة آيلة للتلاشي؛ ومن مشكلة اقتصادية إلى حالة انهيار اقتصادي ومعيشي..
وما يبدو واضحاً اليوم هو أن لبنان يستقبل العام الجديد وهو يرفع شعار: لا حل لأي ملف داخلي قبل انتهاء حرب غزة… وهذا الشعار يعني أن لبنان عاد لمرحلة ما قبل جمهورية الطائف؛ أي لمرحلة ارتباط حل أزمة الحرب الأهلية فيه التي امتدت من عام ١٩٧٥ لعام ١٩٩٠، بحل مشكلة القضية الفلسطينية؛ الأمر الذي كلف لبنان سقوط الآلاف من أبنائه قتلى وجرحى، وتدمير وتهجير طال عاصمته والكثير من بلداته، الخ..
ويعتبر أمر عودة ربط الإستقرار في لبنان، ولو بحده الأدنى؛ بحل المشكلة الفلسطينية أو بانتهاء الصراع العسكري هناك، هو أخطر ما سيواجهه لبنان في خلال العام الجديد؛ وأسباب ذلك معروفة وأبرزها أن كل مناخ الحل اللبناني سيتغير، بحيث لا يعود السؤال ما هي الطبيعة السياسية لليوم التالي في لبنان بعد انتخاب فخامة الرئيس، بل ما هي الطبيعة السياسية لليوم التالي في لبنان بعد إنتهاء حرب غزة!!.
لاشك أن لبنان مطالب بإتخاذ أقوى مواقف الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية ولغزة؛ ولكن لبنان يكون كمن يحكم على نفسه بالإعدام فيما لو قرر ربط مصير خروجه من أزمته الراهنة، بخروج غزة من الحرب؛ وفيما لو ربط مسار إيجاد حلول لمشاكله الداخلية بانتظار إيجاد مسارات حلول للقضية الفلسطينية..
والواقع أنه بمجرد أن يربط لبنان مسألة وقف النار في جنوب لبنان بوقف النار في غزة؛ فمعنى ذلك أنه قبل طوعاً وبمبادرة منه بمعادلة ربط استقرار لبنان الأمني وأيضاً السياسي، باستقرار غزة الأمني وأيضاً السياسي..
وأكثر ما يلفت النظر ويثير القلق ضمن هذا المجال، هو الواقع الذي استجد خلال فترة حرب غزة الراهنة، والذي يظهر أن هناك قراراً داخلياً بعدم الاقتراب من أي ملف سياسي جوهري في البلد قبل أن تضع حرب غزة أوزارها.. وبشكل خاص عدم المبادرة لانتخاب رئيس للجمهورية قبل معرفة على أية نتيجة ستنتهي حرب غزة..
ويسود اليوم داخل الأوساط السياسية قناعة أصبحت مسلمة، تفيد بأنه ليس فقط عملية انتخاب فخامة الرئيس مؤجلة إلى ما بعد وقف إطلاق النار في غزة؛ بل أيضاً لن يكون هناك إمكانية لإتضاح إسم رئيس الجمهورية قبل معرفة من سينتصر في غزة؛ والسبب في ذلك هو أنه فيما لو هزمت حماس، فإن ذلك سيؤدي إلى تشدد حزب الله داخلياً والإصرار على موقفه بإيصال سليمان فرنجية لقصر بعبدا؛ أما في حال انتصرت حماس فسيؤدي ذلك إلى تساهل حارة حريك، والسير بتسوية إيصال قائد الجيش العماد جوزاف عون للرئاسة.
وضمن دخول لبنان معادلة العودة إلى ربط ليس فقط مصيره بل مسارات حلوله الداخلية بتطورات صراع القضية الفلسطينية؛ تحدثت معلومات عن وصول مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين إلى لبنان مطلع العام الجديد؛ وسربت هذه المعلومات عن أن هوكشتاين سيبحث بتطبيق القرار ١٧٠١؛ ولكن معلومات موازية قالت إن لبنان منفتح على بحث أية مقترحات أميركية ولكن تحت سقف أنه لا يمكنه البت بأية حلول إلا بعد إنتهاء حرب غزة بحسب الموقف الرسمي لحزب الله الذي بيده زمام ميدان ال١٧٠١.
وعليه فإن زيارته التي تجري ضمن ظرف ربط أزمات لبنان بتطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحديداً الصراع الحماسي الإسرائيلي، إنما يجعل من مهمة هوكشتاين أشبه بمهمة فيليب حبيب الذي جاء إلى لبنان بعد حرب العام ١٩٨٢، لينهي الحرب بين ياسر عرفات ومناحم بيغن، وليحاول إخراج الخيط العسكري الفلسطيني من تداخله مع وضع لبنان الداخلي السياسي؛ والتمهيد بالتالي لأخذ منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس ومن ثم إلى أوسلو وبعد ذلك إلى رام الله من جهة؛ والتمهيد من جهة ثانية لأخذ لبنان من حروبه الأهلية والإقليمية إلى اتفاق الطائف بين طوائفه وميليشاته؛ وهو الإتفاق الذي تم إبرامه بعد عدة سنوات، وعلى مقربة من إبرام اتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي!!.