خاص الهديل:
“المرحلة الثالثة” من حرب غزة تنذر بالتحول لحرب تصفيات أمنية عالمية!!
دخلت المنطقة ولو بشكل غير معلن، تطبيقات ما بات يعرف في اسرائيل “بالمرحلة الثالثة” في حرب إسرائيل على غزة؛ وهي مرحلة من تصميم أميركي، ويشارك في تنفيذها إلى جانب الموساد بمؤازرة من الشاباك، منظومة الاستخبارات الغربية.
لا تستطيع إسرائيل أن تخوض المرحلة الثالثة من الحرب وحدها؛ تماماً كما أنها لم تستطع أن تخوض المرحلتين الأولى والثانية من الحرب على غزة وحدها؛ بل تحتاج لأن يواكبها في كل هذه المراحل، دعماً خارجياً غربياً وبخاصة أميركي، كبيراً، يشتمل على الدعم التسليحي واللوجستي والتخطيطي، الخ…
ما برهنته حرب غزة هو أن إسرائيل تستطيع أن تخوض اشتباكاً عسكرياً وحدها؛ ولكنها لم يعد بإمكانها أن تخوض حرباً كبيرة وحدها.. ولم يعد يكفي إسرائيل، كما حصل في كل حروبها منذ العام ١٩٧٣، مدّها فقط بجسر جوي أميركي وغربي عاجل عند خوض كل حرب؛ بل أصبحت تحتاج أيضاً لجسر جوي عاجل من المستشارين ومخططي الأعمال العسكرية الأميركيين والغربيين.
إن الخلاصة المستفادة هنا تفيد بأنه لا عضلات إسرائيل العسكرية عادت قادرة وحدها على خوض حروبها داخل فلسطين أو في المنطقة؛ وأنه لا عقلها التخطيطي وحده، عاد قادراً على رسم الخطط الاستراتيجية لنيل النصر أو أقله لمنع الهزيمة..
وكل هذا يدفع القوى التي تتموضع في هذه المرحلة في خندق الحرب العسكرية مع إسرائيل إلى الإعتراف ضمناً بمعادلة كان أنور السادات أعلنها منذ العام ١٩٧٣، ومفادها أن ٩٩ بالمئة من أوراق الحرب والسلام في المنطقة هي أميركية.. وحينها رفع السادات هذه المعادلة كي يبرر ذهابه إلى كمب ديفيد، ولكن قناعته بهذه المعادلة وصلت إليه بعدما وجد نفسه خلال حرب العام ٧٣ أنه يقاتل أميركا، وليس إسرائيل..
والواقع أن معادلة ٩٩ بالمئة من أوراق الحرب والسلم موجودة لدى البيت الأبيض، لها نتائج سياسية توصل إلى صلح على وزن كمب ديفيد؛ ولها نتائج عسكرية توصل إلى “خيمة الكلم ١٠١” في سيناء؛ أي ترتيبات على وزن تلك التي حصلت خلال حرب ٧٣ لفصل القوات المتحاربة المصرية – الإسرائيلية..
إن زيارة هوكشتاين للمنطقة تسعى لترتيبات لفصل القوات على الجبهة اللبنانية.. فيما زيارة بلينكن إلى المنطقة تسعى للذهاب إلى ترتيبات تؤدي إلى كمب ديفيد صغير في غزة بين “فلسطينيين مدنيين” يصفهم غالانت بأنهم “غير معادين لإسرائيل”، وبين نتنياهو الذي له داخل أسرائيل مواصفات مناحيم بيغن الذي وقع كمب ديفيد وليس ثنائي إسحق رابين وشمعون بيريس اللذين وقعا اتفاق أوسلو.
هذا المشهد الذي يسعى إليه هوكشتاين بين إسرائيل ولبنان من جهة، ويسعى إليه بلينكن بين غزة وإسرائيل من جهة ثانية، لا يزال في أول طريقه؛ وعليه فإن ملامح صورته لا تزال مشوشة، ويشوبها الكثير من الغموض؛ ولكن الحقيقة الأساسية التي تدلل على أن الاتجاه في حرب غزة يسير إليه؛ تتمثل بترسخ قناعة عند كل أطراف لعبة الحرب في المنطقة، بأن ٩٩ بالمئة من أوراق استمرار الحرب أو بدء التسوية أو السلام في أزمات الشرق الأوسط، هي بيد البيت الأبيض الأميركي؛ أي أن هذه الأطراف تعود ضمناً وعملياً – ولو من دون الاعتراف سياسياً بذلك – إلى معادلة أنور السادات عن أوراق الـ٩٩ بالمئة.
.. وعليه فإن مشاكل بدء التسوية في حرب غزة أو بدء وقف النار؛ تكاد أن تصبح شأناً داخلياً أميركياً.. بمعنى أن السؤال اليوم بالنسبة لموعد وقف النار في غزة، لا يتمحور حول متى يقبل نتنياهو به؛ بل متى يقتنع بايدن بأن عليه القول لنتنياهو أنه صار وقت وقف النار..
وحتى يصل بايدن لهذه القناعة فإن ذلك يتطلب حصول عوامل ضغط أميركية داخلية عليه، وهو أمر غير متوفر حتى هذه اللحظة رغم ما حصل من متغيرات داخل أميركا بهذا الخصوص.
أما بخصوص عملية التدرج بمراحل الحرب توصلاً للانتقال لحالة وقف النار، فهي أيضاً عملية مرهونة تحققها، بنوعية الضغط الذي تريد إدارة بايدن ممارسته على إسرائيل للالتزام بتطبيق هذه المراحل؛ هذا من ناحية؛ ومن ناحية ثانية مرهونة بنوعية النتيجة السياسية التي تريد واشنطن أن تسفر عنها حرب غزة؟؟.
.. رسمياً يقول بايدن أنه يريد لهذه الحرب أن تؤدي إلى حل الدولتين؛ ولكن عملياً فإن هناك قناعة لدى الشريك الإقليمي الجيوسياسي الأكبر لغزة، وهو مصر، بأن المقصود من طرح حل الدولتين الذي يقول به بايدن، هو ترحيل الحل الحقيقي، وإعادة تعليق القضية الفلسطينية على صليب تأجيل حلها، كون إسرائيل لا تزال غير جاهزة لتقديم تنازلات جوهرية للجانب الفلسطيني، وكون الداخل الأميركي لم ينضج بعد لممارسة ضغوط جدية على صانع القرار في واشنطن كي يضغط بشكل جدي على إسرائيل لتقديم تنازلات تاريخية لإنصاف الفلسطينيين عبر الإعتراف بدولة لهم.
والواقع أن كل ما تقدم من معطيات يؤشر إلى ثلاث نقاط أساسية توجد حرب غزة في اجوائها الآن:
المعطى الأول التسليم من كل أطراف حرب غزة بأن ٩٩ من أوراق الحل وعدم الحل هو بيد أميركا.. ولذلك فإن أطراف الحرب هم حالياً في وضعين إثنين: إما في وضع محاولة الحصول على ضمانات من واشنطن لقاء دخولها في مخططات التسويات الأميركية كحال نتنياهو، أو في وضع تحسين شروط موقعها التفاوضي مع واشنطن القادرة على الضغط على إسرائيل، كما يترجم محور الممانعة حاله في كل من اليمن والعراق تحديداً، وساحات أخرى.
المعطى الثاني هو انخراط جميع اللاعبين في حرب غزة، داخل وقت انتظار ماذا سيطرح بلينكن “لوقف” أو “لتخفيف” أو “لتقنين” إطلاق النار.. وعلى أساس نتائج ما سيفعله بلينكن في غزة، يصبح ممكناً معرفة نوعية “خيمة الكلم ١٠١” التي سينصبها هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل؛ ليتم بداخلها وضع ترتيبات فصل القوات داخل حبهة القرار ١٧٠١ اللبنانية.
المعطى الثالث هو عن حرب الاغتيالات التي تحملها المرحلة الثالثة من خطة واشنطن لحرب غزة. ويتضح في هذا المجال أمر يدعو للقلق، وهو أنه منذ الأيام الأولى لبدء تنفيذ المرحلة الثالثة، ولو من دون الإعلان رسمياً عن بدء تنفيذها، ظهر أن هذه “المرحلة الثالثة” المصممة أميركياً، تتضمن فعاليات حرب اغتيالات عالمية ضد أهداف كثيرة، وليس فقط مجرد حرب نقطوية استخباراتية أمنية إسرائيلية مصورة في غزة وضد حماس حصراً..
.. ما يؤكد هذا المنحى هو اتساع دائرة خارطة الاغتيالات وتنفيذ العمليات النقطوية الأمنية، وذلك حسبما ظهرت خلال هذا الأسبوع، حيث أن ميدانها امتد من الضاحية الجنوبية في بيروت ضد حماس (اغتيال صالح العاروري)، مروراً بالعراق ضد تنظيم النجباء الشيعي (اغتيال أبو تقوى)، وصولاً إلى البحر الأحمر ضد الحوثي، وأيضاً بنفس هذا المناخ ذات الصلة بالمرحلة الثالثة، حصل تفجيرا كرمان في جنوب إيران..
وبات هناك خشية من أن المرحلة الثالثة قد تنهي أو تخفف من وطأة الحرب العسكرية في غزة، لتشعل مرحلة مفتوحة من الحرب الاستخباراتية والتصفيات المتبادلة فوق جبهة كل المنطقة، وربما كل العالم!!