خاص الهديل:
أعلنت إسرائيل أنها تتحمل مسؤولية استهداف القيادي في “وحدة الرضوان” وسام الطويل، المعروف داخل الوسط الجهادي في حزب الله بإسم “الحاج جواد”.
.. وبالعادة، فإن إسرائيل لا تتبنى العمليات التي تتسم بأن لها “طابع التصفية الأمنية”، أو التي تتم بأسلوب الاغتيالات، ولكن وزير خارجيتها أعلن هذه المرة أن قيام الجيش الإسرائيلي “بقتل القيادي في وحدة الرضوان وسام الطويل، هو جزء من طبيعة الحرب”.
وعلى عكس عملية استهداف القائد في حماس صالح العاروري، التي لم تتبناها حكومة نتنياهو علانية، فإنها في عملية استهداف وسام الطويل (جواد) وضعت توقيعها واضحاً عليها. وأراد نتنياهو من إعلان التبني إيصال رسالة عاجلة وواضحة للداخل الإسرائيلي، مفادها أن حكومته تحرز على جبهة الشمال مع حزب الله، إنجازات لها صلة مباشرة ووثيقة بالمطلب الأساسي لمستوطني الخط الحدودي مع لبنان المتمثل بإبعاد خطر “وحدة الرضوان” عنهم، وذلك كشرط مسبق يعلنون أنهم لن يعودوا إلى مستوطناتهم من دون تحقيقه.
لا يمكن إنكار أن استهداف “الحاج جواد” هو نجاح عسكري لإسرائيل، ولكنه على نحو أكبر هو نجاح سياسي لنتنياهو الذي يعاني من بداية عزلة داخل الكابينيت، وأيضاً من ضغوط داخلية كبيرة عليه، تنطلق ضده من نقطة اتهامه من قبل مجتمع الاستيطان بأنه فشل في منع ٧ أكتوبر “الفلسطيني الحمساوي” في غلاف غزة، وأنه أيضاً ليس لديه ضمانة بخصوص أنه قادر على منع أن تنجح وحدة الرضوان في حزب الله، بفعل ٧ أكتوبر جديد على الحدود الإسرائيلية مع لبنان.
ويبدو واضحاً أن نتنياهو لا يسعى فقط لترميم الثقة بمجمل معادلة الردع الإسرائيلية، بل بالأساس يسعى لترميم ثقة مجتمع الاستيطان اليميني به. فقاعدة مناصري نتنياهو الإنتخابية، يتشكل الجزء الصلب منها، من مستوطني التيار اليميني الذين يقيمون في الضفة الغربية والقدس وعلى حدود غزة ولبنان؛ وهؤلاء باتوا غير واثقين بعد أحداث ٧ أكتوبر بأن نتنياهو هو القائد اليميني و”الجابوتنسكي” التاريخي القادر على حماية الوجود الاستيطاني فوق أرض فلسطين التاريخية التي هي بالنسبة إليهم “أرض إسرائيل الكبرى”. وهذا التطور على مستوى تراجع مجتمع المستوطنين به يؤثر عليه سلباً أكثر من معارضة مجتمع أهالي الأسرى الموجودين لدى حماس؛ فالأخيرون ليسوا من صلب قاعدته الانتخابية الإجتماعية؛ أما المستوطنون، وبخاصة في منطقتي غلاف غزة والشمال، فهم قوته الإنتخابية الأساسية..
وتراجع ثقة مجتمع الاستيطاني اليميني بنتنياهو بأنه قادر على حمايتهم هو الذي جعله يتجه في حربه مع حزب الله المسؤول عن نزوح مستوطني الخط الحدودي الشمالي، إلى تقصد إنتقاء أهداف لها بُعد سياسي إسرائيلي داخلي وذلك إلى جانب معناها العسكري الهام؛ فمثلاً إغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية، قدم لنتنياهو “صورة إنجاز نصر” على حماس المسؤولة عن تهجير مستوطني قطاع غزة؛ وذلك في الوقت الذي عجز فيه، رغم مرور ثلاثة أشهر على الحرب، عن تحقيق إنجاز بمستوى رمزية العاروري في غزة. كما أنه من خلال النجاح في استهداف الحاج جواد، يريد نتنياهو إظهار “صورة إثبات القوة” بنظر مستوطني الخط الحدودي الإسرائيلي مع لبنان، لتعويض الانطباع السائد لديهم عن ضعفه بالنظر لكونه بعد أنه مرور نحو ثلاثة أشهر على المواجهات الشمالية، لم يستطع (أي نتنياهو) إبعاد عنصر واحد من “وحدة الرضوان” عن الخط الحدودي في الشمال، وأيضاً لم يستطع أن يقنع مستوطناً واحداً بأنه سيكون ممكناً عودته إلى مستوطنته في نهاية هذه المواجهة على الجبهة الشمالية.
لأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني تسود حالة نزوح داخل بيئة الاستيطان الإسرائيلي؛ ويبدو لافتاً في هذا المجال أن مصطلح “غلاف غزة” بات يتضمن في معناه البعد الأمني وليس فقط بُعده الديموغراقي؛ أي البعد المتصل بواقع طفرات النزوح المتتالي لمستوطني منطقة الغلاف الناتجة عن قصف حماس لها، وعدم قدرة المستوطنين على الإستقرار فوق منطقة جوار غزة. ونفس المعنى الأمني لمصطلح “غلاف غزة” بات له تتمة في منطقة استيطان الخط الحدودي مع لبنان، حيث بات يطلق على هذه المنطقة المجاورة للحدود اللبنانية اصطلاح تسمية “غلاف خط الليطاني” كترميز لكونها لم تعد منطقة استقرار للاستيطان.
إن حرب غزة حملت لأول مرة معنى “تحرير أرض”؛ ولو كان هذا المعنى يتم تجسيده بشكل غير مباشر؛ أي عن طريق فرض إجلاء للمستوطنين عن مناطق فلسطينية محتلة..
والواقع أن هذا النوع من النتائج لحرب غزة وللمواجهة القائمة على الجبهة الشمالية؛ يعتبر خاصة بالنسبة للتيار اليميني الموجود الآن في الحكم في إسرائيل؛ أمراً لا يمكن تحمله؛ كونه يضرب أهم ركن في مشروعه وهو استقرار محتمع الاستيطان وتوسعه..
وهذا الواقع المستجد هو ما يجعل واشنطن تخشى بجدية من أن تبادر حكومة نتنياهو اليمنية بمعزل عن توجه كابينيت الحرب، إلى شن حرب شاملة على لبنان بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة؛ يكون هدفها الاستراتيجي المضمر هو تثبيت المشروع الاستيطاني، وترميم الردع الاستيطاني؛ بمعنى عدم الإكتفاء باستعادة إسرائيل للردع العسكري، بل العمل لاستعادة ثقة المستوطن بأن وجوده فوق كل أرض إسرائيل الكبرى، ليس مؤقتاً، وليس مهدداً من قوى عسكرية وأيديولوجية مناهضة..