خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
في إسرائيل جرت لحد بعيد دراسة العِبر الإستراتيجية المستخلصة من ماية يوم مواجهة مع حزب الله على الجبهة الشمالية..
وفي متن هذه الخلاصات كما صاغها خبراء ومسؤولون معنيون إسرائيليون، ترد الاستنتاجات والعِبر الإستراتيجية التالية حول واقع الجبهة الشمالية اليوم ومآلها في المرحلة المقبلة:
.. يبدأ الإسرائيليون بأنفسهم قائلين: “نحن على الجبهة الشمالية موجودون تحت سقف الحرب وفوق سقف الاحتكاك”؛ وما يحدث “هو معركة بكل معنى الكلمة حتى لو لم يكن إسمها حرب في هذه المرحلة”؛ و”المستجدات في هذه الحرب تمثلت من جهة حزب الله بأنه أضاف وسائل قتال جديدة على مثال استخدامه صواريخ مضادة للدروع؛ وصاروخاً ثقيل الوزن [بركان]، وجهه نحو موقع للجيش الإسرائيلي؛ ومسيرة إنتحارية، الخ.. “؛ وبهذا السلوك فإن الحزب يرسل للإسرائيليين رسالة تقول أنه “كلما اتسعت المعركة سترون وسائل قتالية أخرى”..
الفكرة التي تبرز في الميدان تقول (ودائماً من وجهة نظر إسرائيل) أن ما يجري فوقه هو “احتكاك نشط قد يتفاقم لحرب”، ويغذي هذا التقدير “أن دينامية التصعيد غير المضبوطة ما زالت محتملة”؛ ولكن رغم هذه المخاطر؛ فإن التحليل الإسرائيلي يعتقد أنه حتى الآن لا يزال هناك أقله ثلاثة كوابح تمنع الطرف الآخر من الذهاب للحرب:
الأول- ليس مفيداً لإيران خسارة حزب الله من أجل غزة.
ثانياً- لم يضح نصر الله بلبنان من أجل غزة.
ثالثاً- لا يريد بايدن ولا إيران توسيع الحرب وخاصة انطلاقاً من لبنان.
.. إلى هنا نهاية اقتباسات الرأي الإسرائيلية حول جزئية توصيف واقع ميدان الجبهة الشمالية، ولكن بالانتقال إلى مجال آخر هام وخطر ويجدر تسليط الضوء عليه؛ يبرز واحداً من أهم الاستنتاجات الإستراتيجية التي توصل إليها الإسرائيليون بخلال قراءتهم لمواجهات الأيام المائة مع حزب الله، والمقصود هنا استنتاجهم أنه “على المستوى الإستراتيجي فإن الحدود الشمالية الجديدة، يجب أن تبنى الآن، أي خلال المواجهة العسكرية؛ وأنه يجب على إسرائيل عدم انتظار اليوم التالي الذي يلي الحرب”. يضيف الإسرائيليون “ينبغي استغلال هذا الوقت فعلاً من القتال النشط، بغية صياغة الواقع الجديد على حدودنا في الشمال، سواء بالوسائل العسكرية أو تلك السياسية، وذلك حتى لا يبقى انتشار الحزب على الحدود كما كان قبل ٧ أكتوبر”.
وفي حين أن الاقتباس الوارد أعلاه يوضح مفهوم إسرائيل للكيفية التي يجب أن تتموضع عليها على الجبهة الشمالية؛ فإن اقتباس إسرائيلي آخر يوضح رؤية إسرائيل للكيفية التي يتموضع عليها حزب الله على الجبهة الشمالية، فيقول أن “حزب الله [طوال مئة يوم] موجود على جبهة المواجهات في “حالة انتظار”؛ وأسباب ذلك تعود إلى أنه يريد أن يبقي قوة النيران الكبيرة التي بحوزته وقوات النخبة الخاصة به، محفوظة ليوم الأمر [أي ليوم الحرب الشاملة]”.
إلى هنا ينتهي الاقتباس من مصادر رأي صحفية عبرية؛ ومن خلال هذين الإقتباسين اللذين يتكرر معناهما في عدد غير قليل من نقاشات الرأي في إسرائيل ترتسم الصورة الإستراتيجية التالية عن فهم كابينت الحرب لخارطة التموضع المتقابل على طرفي الجبهة الشمالية؛ وهي كالتالي: إسرائيل تبني استراتيجيتها على “عدم الانتظار”، وتحديداً عدم انتظار اليوم التالي لحصد هدف الحرب عسكرياً أو سياسياً، وهو عدم بقاء انتشار حزب الله موجوداً كما كان قبل ٧ أكتوبر؛ فيما حزب الله هو في “حالة انتظار”، وتحديداً انتظار لليوم التالي لحرب غزة أو لاحتمال يوم تحول المواجهة الى حرب..
والواقع أن إستراتيجية اللاإنتظار التي تنتهجها إسرائيل في نظرتها لما يجب فعله على الجبهة الشمالية هي التي تفسر المناورة داخل حركة هوكشتاين، وتناغم إسرائيل معها بالتصعيد العسكري (اغتيال العاروري والقيام بعمليات قصف خارج ميدان الـ٥ كلم الخ..)، وهي التي تفسر أيضاً خلفيات تصريحات أقطاب كابينت الحرب عن الوضع على الجبهة الشمالية؛ كما أن اعتقاد كابينت الحرب من جهة ثانية أن حزب الله يلتزم استراتيجية حالة الانتظار بتعاطيه مع الجبهة الشمالية، هو الذي يفسر لماذا حارة حريك تجمد أي بحث بالمسار السياسي الخاص بالقرار ١٧٠١ لليوم التالي بعد توقف حرب غزة.. والخلاصة أنه في إسرائيل يعتقدون أن الإحتكاك النشط على الجبهة الشمالية يجب توظيفه في صناعة الحل، وليس في انتظار الحل كما يريد حزب الله.. وهنا تقع نقطة الاشتباك السياسي القائم حالياً بين الطرفين، والذي يتم التعبير عنه مرة من خلال رسائل التهديد عبر الوسطاء لبيروت وللحزب، ومرة ثانية عبر تصريحات هوكشتاين عن “النافذة الضيقة” التي يجب انتهازها قبل وقوع الفأس العسكري على الرأس اللبناني الطري.
ثمة استنتاج استراتيجي ثالث توصل إليه الإسرائيليون أيضاً من خلال مراجعتهم لوقائع المواجهة المفتوحة منذ ٨ أكتوبر الماضي مع الحرب، ومفاده أن” الحزب شكل خلال أيام المواجهات الماية ‘حزام أمني’ داخل الأراضي الإسرائيلية”.. (المقصود هنا المنطقة الاستيطانية الحدودية الشمالية التي هجرها مستوطنوها بعد ٨ أكتوبر وأصبحت منطقة شبه مغلقة عسكرياً).
وبنظر الإسرائيليين فإن هذا الأمر له دلالة عسكرية وديموغرافية، تضيء على دلالات أخرى من قبيل تعزيز الافتراض بأن الحزب يقتصد ويتمرحل في استخدام وسائله القتالية؛ ما يعني أن “خطته الخاصة بالاستيلاء على مستوطنات على الجليل بقوة من الرضوان باقية على حالها”..
يبقى القول أن اهمية هذا النوع من الاستنتاجات بخصوص هذه الجزئية، تكمن في حسن تصنيفها داخل مستويات الأولويات الخاصة لكابينيت الحرب بالجبهة الشمالية، وذلك كما يرتبها نقاش الرأي الإستراتيجي داخل إسرائيل؛ وبموجب هذه المنهجية يتضح أنه من أولويات كابينت الحرب على الجبهة الشمالية أن يقوم بإستعجال الضغط على الذراع العسكري (أي الجيش) وعلى الذراع السياسي (أي آموس هوكشتاين)، لجعل القتال في الشمال ينطوي على فرص أنه سيحقق أهدافه السياسية والعسكرية تحت النار، وليس بعد وقف النار؛ وهذا الأمر هو بالتمام ما تفعله تل أبيب أيضاً على الجبهة الجنوبية؛ أي أنها تريد أن يسبق زرع علم النصر على حماس، وقف إطلاق النار معها!!
واستمرار ركض إسرائيل وراء هذه الأولويات في ميدان الجبهة الشمالية يقود المستويين السياسي والعسكري فيها للتخمين بالتالي:
– أن استمرار القتال في الشمال لفترة طويلة سيجعل فرص التصعيد في الشمال تزداد..
– أن هدف تحقيق سحب الحزب للوراء حتى يمكن تفكيك “حزامه الأمني” الذي أقامه داخل الأراضي الإسرائيلية لن يتحقق إلا بالحرب..
– إذا تحققت نظرية أننا في الشمال ذاهبون إلى الحرب بخطوات صغيرة؛ فحينها سيتعين على المستوى السياسي الإسرائيلي أن يقرر أي ساحة ستكون هي ساحة حرب إسرائيل الرئيسة: ساحة لبنان أم ساحة غزة؟؟.