خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
قبل فترة ليست بعيدة، قصفت إيران إقليم كردستان، وردت ذلك لنفس الأسباب التي تحدثت عنها بعد قصفها ليلة الأثنين الماضي لعاصمته أربيل التي قالت أنه يوجد فيها مقار للموساد ومجموعات إرهابية تعمل ضد إيران..
.. ولكن ما يجعل الهجومين الإيرانيين مختلفين عن بعضهما البعض، وما يجعل الهجوم الأخير يحمل رسائل مكثفة لإدارة بايدن ولأوروبا وللمنطقة، هو التالي:
أولاً إختلاف السياق السياسي لكل من الهجومين: ففي المرة قبل الأخيرة حصل الهجوم الإيراني على كردستان، خلال حمأة نشاط الفصائل الشيعية العراقية المؤيدة لطهران الضاغط على الحكومة العراقية للبدء بإجراءات إخراج القوات الأميركية من العرا؛ وأما هجوم ليلة أول من أمس، فقد جاء في سياق حرب غزة، وما يجري على ضفافها من حرائق في المنطقة.
وتريد إيران عبر هذا الهجوم، لفت النظر إلى أن الحرس الثوري الذي كان يشارك من خلال حلفائه ووكلائه في حرب طوفان الأقصى، يقوم لأول مرة بالمشاركة مباشرة في هذه الحرب.. وتتضح نية طهران في إظهار هذا المعنى للهجوم، من خلال بياناته الثلاثة التي عقب عليه والتي أشارت بوضوح إلى أن الهجوم يريد من بين ما يريده الثأر لغزة ولقتل إسرائيل قادة من حماس وحزب الله في لبنان..
السؤال الذي أثاره هذا الجانب من خلفيات هجوم أربيل؛ هو لماذا الآن، وبعد ماية يوم من حرب غزة، يقرر الحرس الثوري أن يثبت لنفسه حضوراً مباشراً على جبهة التي باتت تعرف بجبهة إسناد حماس في حرب غزة؟؟.
تقول أبرز الردود عن هذا السؤال أن إيران – ربما – بات لديها قناعة بأن حرب غزة اقتربت من نهاياتها؛ وعليه قررت أن تكون شريكة في إطلاق الرصاصات الأخيرة التي تبين أن إسرائيل لم تنتصر في حرب غزة، وأن أميركا ليست قادرة على ترتيب وضع المنطقة في مرحلة ما بعد حرب غزة، من دون الذهاب لتسويات مع محور المقاومة المنقاد من طهران.
السياق الثاني، وهو له نفس مستوى أهمية السياق الأول بنظر طهران؛ يتصل بتوجيه رسالة للداخل الإيراني، وذلك من خلال الرد بالنار على عمليات التصفيات التي قامت بها إسرائيل مؤخراً ضد رموز من الحرس الثوري في سورية وداخل إيران ذاتها؛ إضافة للرد على التفجير الذي حصل في كرمان خلال إحياء مناسبة ذكرى اغتيال الحاج قاسم سليماني..
الواقع أن الغاية من “رسالة الداخل” هي إثبات أن إيران قادرة على حماية نفسها من “موق المبادرة” وليس فقط من “موقع الدفاع”؛ وأن إيران الإقليمية تملك إمكانيات هجومية داخل معادلة ميزان القوى الراهن القائم في الإقليم؛ أي أن لديها أوراق تكتيكية استراتيجية تسند موقعها الاستراتيجي في معادلة الصراع والتسوية في إقليمها الجيو سياسي والعسكري والايديولوجي أيضاً.
وضمن السياق الثالث لهجوم أربيل، تريد إيران القول – وهنا اقتباس عن الإعلام الغربي- أنه بمثلما أن أميركا تهدد وتضرب على أصابع من تعتبرهم أنهم يهددون مصالحها وأمنها وأمن حلفائها في المنطقة؛ فإن طهران أيضاً قادرة على فعل نفس الشيء؛ وهذه الرسالة الإيرانية هي التي تفسر توسيع إيران لنطاق ردها، حيث شمل إلى أربيل مناطق في سورية ومناطق أخرى ذكرت معلومات صحفية أنها طالت باكستان، الخ..
ويجدر التنبه هنا إلى أمرين إثنين هامين يتعلقان بالوسائل التي اختارت إيران أن تعتمدها في تنفيذ هجمات ليلة الأثنين الماضي:
الأمر الأول يتمثل بأن الحرس الثوري استخدم في هذه الهجمات، الصواربخ البالستية التي يعتبر امر امتلاك إيران لها، أحد أهم الملفات التي يضعها الغرب بإلحاح على مائدة التفاوض النووي مع إيران؛ والذي ترفض إيران التفاوض حوله؛ ما يجعل هذا الملف بمثابة ملف خلافي حاد داخل مجمل مسار مفاوضات إعادة إحياء الإتفاق النووي الأميركي الإيراني..
والثاني أن هذه الصواريخ البالستية التي استعملها الحرس الثوري في هجماته، قصفت أهدافاًَ تبعد ١٢٠٠ كلم؛ وهذه مسافة تحاكي قيام إيران بمناورة عسكرية لقصف إسرائيل أو أهداف في أوروبا، بهذا النوع من الصواريخ.
إن كل ما تقدم جعل مراقبين مطلعين على مراكز القرار الغربي يتقاطعون عند اعتبار أن هجوم ليلة الأثنين الماضي الإيراني حمل رسائل أبعد من أسبابها المعلنة؛ وهي تطال الإقليم، وتتصل بإظهار “رؤية طهران لليوم التالي الإيراني بعد وقف حرب غزة”، وذلك بمقابل أن البريطاني والأميركي باشرا تحركاً لتظهير ما ستكون عليه “الأيام التالية بعد توقف حرب غزة في البحر الأحمر وعلى جبهة استكمال التطبيع العربي – وبخاصة السعودي – مع إسرائيل، وداخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية”!!.