خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
يوم أمس كان مشهوداً داخل “ملحمة حرب غزة” التي تقترب من الدخول في شهرها الثالث.. لقد وقعت بالفعل واحدة من الكوارث التي توقعها الكثير من الخبراء العسكريين الإسرائيليين؛ وذلك عندما خرج مجاهد فلسطيني أو أكثر من النفق ونجح في تحويل مساحة تتموضع فيها قوة إسرائيلية، إلى “جهنم”.. “ففي غزة لا توجد إلا مساحات من جهنم للجيش الإسرائيلي”. وهذا توصيف استخدمه الجنرالات الأكثر خبرة في إسرائيل وحذروا قيادة نتنياهو منه.. ولكن المهم الآن هو أن كابينت الحرب بعد “ليلة جهنم” التي عاشها الجيش الإسرائيلي في مخيم المغازي في غزة، والتي أودت بحياة أكثر من ٢٠ جندياً وضابطاً؛ بات موجوداً في زاوية الإجابة عن سؤال: ماذا عن اليوم التالي بعد كارثة مخيم المغازي في وسط غزة؟؟.
أمام كابينت الحرب خيارين إثنين أساسيين؛ وكل خيار منهما سيقود إسرائيل وحرب غزة إلى سيناريو مغاير عن الآخر:
الخيار الأول سيفضي إلى إقرار وزراء كابينت الحرب بأن الاستمرار في التوغل البري في غزة لن يؤدي إلى إكتشاف شبكة الأنفاق وتدميرها فوق رأس حماس؛ بل سيؤدي إلى اكتشاف مساحات جديدة من “كمائن جهنم” للجيش الإسرائيلي؛ وهذا يعني أن “معادلة تحمل إسرائيل حصيدة قتيلين إلى ثلاثة يومياً من جنودها حتى تحقيق هدف القضاء على حماس والأنفاق”؛ لم تعد واقعية، ذلك لأن كلفة الحرب أكبر بكثير من نظرية قدرة إسرائيل على تحمل بين قتيلين وثلاثة جنود يومياً..
وببساطة سيعترف الكابينيت بعد ليلة المغازي، بأن بقاء الجيش في غزة هو دعوة له للإقامة في جهنم.. ولكن السؤال هو عن البديل؛ أو بكلام أدق هو: ماذا عن اليوم الثاني بعد ليلة المغازي؟؟.
.. حتى الذين سيوصون داخل كابينت الحرب بإخراج الجيش من وحل التوغل البري أو المناورة البرية في غزة؛ يعرفون أن هذا القرار مؤذ إستراتيجياً لصورة الجيش الإسرائيلي.. وهؤلاء يعرفون أيضاً أن إخراج الجيش على نحو مذل من غزة، سيطيح بأحد أهم الأسباب التي جعلت إسرائيل توافق على عملية برية للجيش في غزة؛ ومفاده أنه يجب أن يثبت الجيش الإسرائيلي للعالم وللمستوطنين أنه جيش بري يقاتل على الأرض ولديه روحية الإقدام والتضحية، وليس فقط جيشاً يقاتل عن بعد من الجو!!
وبالعودة إلى الحرب بين خياري ما بعد ليلة مخيم المغازي؛ فمن المتوقع أن يقدم ايزنكوت رئيس هيئة الأركان الأسبق وعضو كابينت الحرب، الإجابة العسكرية عن هذا السؤال، وهو ببساطة سيذكر بوجهة نظره التي بلورها مؤخراً، وتقوم على ٤ نقاط:
١ – أن نتنياهو لا يقول الحقيقة عن أهدافه في غزة؛
٢ – أن الذين يقولون بتحقيق “الهزيمة المطلقة” لحماس في غزة “لا يقولون الحقيقة”؛
٣ – نتنياهو مسؤول عن تقصير ٧ أكتوبر؛
٤ – لا ثقة للشعب بالقيادة السياسية الإسرائيلية التي تقود حالياً الحرب.
سوف يصطدم رأي ايزنكوت هذا على الأرجح بموقف نتنياهو الذي سيذهب لطرح الخيار الثاني للإجابة عن سؤال ماذا عن اليوم التالي لكارثة الجيش الإسرائيلي في مخيم المعازي.
.. ولكن قبل استعراض حيثيات خيار نتنياهو، يظل من المفيد استذكار ما بين الرجلين (ايزنكوت ونتنياهو) من تجارب ماضية، تطبع الآن داخل كابينت الحرب، نظرة كل منهما الراهنة للآخر..
في نهايات عهده في رئاسة الأركان صاغ ايزنكوت نظريته الكاملة عن إعادة تحديث مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي؛ وعرضها على رئيس الحكومة نتنياهو كي تحظى بنقاش رسمي بغية اعتماد التعديلات الجوهرية التي وردت فيها، والتي تطور مفاهيم العقيدة الأمنية القومية التي طرحها بن غوريون في خمسينات القرن الماضي؛ غير أن نتنياهو رفض ذلك؛ وبدل أن يناقش ايزنكوت بنظريته؛ قام هو نفسه بصياغة نظرية عن الأمن القومي الإسرائيلي.
… وعلق ايزنكوت حينها على نظرية نتنياهو بالقول “انها جيدة، ولكنها ليست جيدة لإسرائيل”.
ثم تراكمت حالة عدم التجانس لاحقاً بين ايزنكوت ونتنياهو؛ وكان الانطباع الأساس للأول عن نتنياهو أنه شخصية لا تدعو لا للإحترام ولا للثقة به. ووصل هذا الانطباع إلى قمته عند ايزنكوت؛ وذلك عندما كان يزور جبهة غزة، بعد أيام قليلة من بدء الحرب؛ وخلال جولته هناك ورده خبر مقتل إبنه المجند داخل غزة. وكانت صدمة ايزنكوت هنا مضاعفة، حيث أنه في نفس يوم مقتل نجله في الحرب؛ نشرت صحيفة هأرتس خبراً يقول أن وزير الخارجية الإسرائيلي سيصدر جواز سفر دبلوماسي لنجل رئيس الحكومة نتنياهو (!!)
وحينما قبل ايزنكوت أن يدخل كابينت الحرب المصغر، اعترض مناصروه، وقالوا له أن دخوله كابينيت الحرب، سيساعد نتنياهو على تجاوز أزمته السياسية الناتجة عن مسؤوليته عن تقصير ٧ أكتوبر؛ ولكن ايزنكوت رفض مقولة مناصريه، وقال لهم أنه ليس من النوع الذي يصفي حسابات سياسية في وقت الحرب..
اليوم، وبمناسبة نقاش “ما بعد ليلة المغازي”، يجلس نتنياهو وجهاً لوجه مقابل خيار ايزنكوت الداعي لتغيير الاتجاه في غزة، وأخذه نحو تجديد الحكم في إسرائيل عبر إجراء انتخابات مبكرة، كجزء من حل أزمة الجيش وأيضاً أزمة إسرائيل في حرب غزة.
سوف يطرح نتنياهو أغلب الظن، خيار استمرار الحرب مع تدابير الانتقال للمرحلة الثالثة؛ وأيضاً الانتقال لمرحلة النزول بهدوء عن سلم وحول غزة.
.. ولكن طرح نتنياهو هذا سيواجه بسؤالين إثنين أساسيين:
الأول من ايزنكوت ومفاده: هل الاستمرار بالحرب سيحقق أهدافها؛ أي استعادة الأسرى والقضاء على حماس؟؟.
والسؤال الثاني الأساسي سيطرحه غانتس: هل يمكن لقيادة نتنياهو أن تستمر بالحرب في ظل تردي علاقاته الشخصية مع رئيس الولايات المتحدة التي تشكل شريان الحياة لإسرائيل(؟؟)؛ وإستدراكاً هل الأفضل لإسرائيل أن تمضي في الحرب وراء قيادة يمقتها الرئيس الجالس حالياً في البيت الأبيض، ويريد تغييرها؟؟
واضح أن “اليوم التالي لما بعد كارثة المغازي”، يترك داخل إسرائيل نفس حالة الصخب ونفس مراديد الانهيار في الحالة المعنوية التي تركها في أثره “يوم ٧ أكتوبر” أو ما يسمى في إسرائيل بكارثة “يوم فرح التوراة”.
وإذا كان نتنياهو نجح بعد “كارثة ٧ أكتوبر” في إطالة أمد عمره السياسي أكثر من ١٠٠ يوم، فإنه بعد “كارثة المغازي” سيكون صعباً عليه تمديد فترة نجاته من المساءلة، ولكن هذه المرة ليس مساءلته فقط عن مسؤوليته بالتقصير في ٧ أكتوبر، وليس أيضاً عن التقصير على مستوى أدائه في حرب غزة؛ بل أيضاً عن مسؤوليته الواضحة في أخذ أحداث الحرب في غزة للتسبب “بكارثة ليلة المغازي”.
اليوم التالي لنتياهو بعد “كارثة ليلة المغازي”؟؟
يوم أمس كان مشهوداً داخل “ملحمة حرب غزة” التي تقترب من الدخول في شهرها الثالث.. لقد وقعت بالفعل واحدة من الكوارث التي توقعها الكثير من الخبراء العسكريين الإسرائيليين؛ وذلك عندما خرج مجاهد فلسطيني أو أكثر من النفق ونجح في تحويل مساحة تتموضع فيها قوة إسرائيلية، إلى “جهنم”.. “ففي غزة لا توجد إلا مساحات من جهنم للجيش الإسرائيلي”. وهذا توصيف استخدمه الجنرالات الأكثر خبرة في إسرائيل وحذروا قيادة نتنياهو منه.. ولكن المهم الآن هو أن كابينت الحرب بعد “ليلة جهنم” التي عاشها الجيش الإسرائيلي في مخيم المغازي في غزة، والتي أودت بحياة أكثر من ٢٠ جندياً وضابطاً؛ بات موجوداً في زاوية الإجابة عن سؤال: ماذا عن اليوم التالي بعد كارثة مخيم المغازي في وسط غزة؟؟.
أمام كابينت الحرب خيارين إثنين أساسيين؛ وكل خيار منهما سيقود إسرائيل وحرب غزة إلى سيناريو مغاير عن الآخر:
الخيار الأول سيفضي إلى إقرار وزراء كابينت الحرب بأن الاستمرار في التوغل البري في غزة لن يؤدي إلى إكتشاف شبكة الأنفاق وتدميرها فوق رأس حماس؛ بل سيؤدي إلى اكتشاف مساحات جديدة من “كمائن جهنم” للجيش الإسرائيلي؛ وهذا يعني أن “معادلة تحمل إسرائيل حصيدة قتيلين إلى ثلاثة يومياً من جنودها حتى تحقيق هدف القضاء على حماس والأنفاق”؛ لم تعد واقعية، ذلك لأن كلفة الحرب أكبر بكثير من نظرية قدرة إسرائيل على تحمل بين قتيلين وثلاثة جنود يومياً..
وببساطة سيعترف الكابينيت بعد ليلة المغازي، بأن بقاء الجيش في غزة هو دعوة له للإقامة في جهنم.. ولكن السؤال هو عن البديل؛ أو بكلام أدق هو: ماذا عن اليوم الثاني بعد ليلة المغازي؟؟.
.. حتى الذين سيوصون داخل كابينت الحرب بإخراج الجيش من وحل التوغل البري أو المناورة البرية في غزة؛ يعرفون أن هذا القرار مؤذ إستراتيجياً لصورة الجيش الإسرائيلي.. وهؤلاء يعرفون أيضاً أن إخراج الجيش على نحو مذل من غزة، سيطيح بأحد أهم الأسباب التي جعلت إسرائيل توافق على عملية برية للجيش في غزة؛ ومفاده أنه يجب أن يثبت الجيش الإسرائيلي للعالم وللمستوطنين أنه جيش بري يقاتل على الأرض ولديه روحية الإقدام والتضحية، وليس فقط جيشاً يقاتل عن بعد من الجو!!
وبالعودة إلى الحرب بين خياري ما بعد ليلة مخيم المغازي؛ فمن المتوقع أن يقدم ايزنكوت رئيس هيئة الأركان الأسبق وعضو كابينت الحرب، الإجابة العسكرية عن هذا السؤال، وهو ببساطة سيذكر بوجهة نظره التي بلورها مؤخراً، وتقوم على ٤ نقاط:
١ – أن نتنياهو لا يقول الحقيقة عن أهدافه في غزة؛
٢ – أن الذين يقولون بتحقيق “الهزيمة المطلقة” لحماس في غزة “لا يقولون الحقيقة”؛
٣ – نتنياهو مسؤول عن تقصير ٧ أكتوبر؛
٤ – لا ثقة للشعب بالقيادة السياسية الإسرائيلية التي تقود حالياً الحرب.
سوف يصطدم رأي ايزنكوت هذا على الأرجح بموقف نتنياهو الذي سيذهب لطرح الخيار الثاني للإجابة عن سؤال ماذا عن اليوم التالي لكارثة الجيش الإسرائيلي في مخيم المعازي.
.. ولكن قبل استعراض حيثيات خيار نتنياهو، يظل من المفيد استذكار ما بين الرجلين (ايزنكوت ونتنياهو) من تجارب ماضية، تطبع الآن داخل كابينت الحرب، نظرة كل منهما الراهنة للآخر..
في نهايات عهده في رئاسة الأركان صاغ ايزنكوت نظريته الكاملة عن إعادة تحديث مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي؛ وعرضها على رئيس الحكومة نتنياهو كي تحظى بنقاش رسمي بغية اعتماد التعديلات الجوهرية التي وردت فيها، والتي تطور مفاهيم العقيدة الأمنية القومية التي طرحها بن غوريون في خمسينات القرن الماضي؛ غير أن نتنياهو رفض ذلك؛ وبدل أن يناقش ايزنكوت بنظريته؛ قام هو نفسه بصياغة نظرية عن الأمن القومي الإسرائيلي.
… وعلق ايزنكوت حينها على نظرية نتنياهو بالقول “انها جيدة، ولكنها ليست جيدة لإسرائيل”.
ثم تراكمت حالة عدم التجانس لاحقاً بين ايزنكوت ونتنياهو؛ وكان الانطباع الأساس للأول عن نتنياهو أنه شخصية لا تدعو لا للإحترام ولا للثقة به. ووصل هذا الانطباع إلى قمته عند ايزنكوت؛ وذلك عندما كان يزور جبهة غزة، بعد أيام قليلة من بدء الحرب؛ وخلال جولته هناك ورده خبر مقتل إبنه المجند داخل غزة. وكانت صدمة ايزنكوت هنا مضاعفة، حيث أنه في نفس يوم مقتل نجله في الحرب؛ نشرت صحيفة هأرتس خبراً يقول أن وزير الخارجية الإسرائيلي سيصدر جواز سفر دبلوماسي لنجل رئيس الحكومة نتنياهو (!!)
وحينما قبل ايزنكوت أن يدخل كابينت الحرب المصغر، اعترض مناصروه، وقالوا له أن دخوله كابينيت الحرب، سيساعد نتنياهو على تجاوز أزمته السياسية الناتجة عن مسؤوليته عن تقصير ٧ أكتوبر؛ ولكن ايزنكوت رفض مقولة مناصريه، وقال لهم أنه ليس من النوع الذي يصفي حسابات سياسية في وقت الحرب..
اليوم، وبمناسبة نقاش “ما بعد ليلة المغازي”، يجلس نتنياهو وجهاً لوجه مقابل خيار ايزنكوت الداعي لتغيير الاتجاه في غزة، وأخذه نحو تجديد الحكم في إسرائيل عبر إجراء انتخابات مبكرة، كجزء من حل أزمة الجيش وأيضاً أزمة إسرائيل في حرب غزة.
سوف يطرح نتنياهو أغلب الظن، خيار استمرار الحرب مع تدابير الانتقال للمرحلة الثالثة؛ وأيضاً الانتقال لمرحلة النزول بهدوء عن سلم وحول غزة.
.. ولكن طرح نتنياهو هذا سيواجه بسؤالين إثنين أساسيين:
الأول من ايزنكوت ومفاده: هل الاستمرار بالحرب سيحقق أهدافها؛ أي استعادة الأسرى والقضاء على حماس؟؟.
والسؤال الثاني الأساسي سيطرحه غانتس: هل يمكن لقيادة نتنياهو أن تستمر بالحرب في ظل تردي علاقاته الشخصية مع رئيس الولايات المتحدة التي تشكل شريان الحياة لإسرائيل(؟؟)؛ وإستدراكاً هل الأفضل لإسرائيل أن تمضي في الحرب وراء قيادة يمقتها الرئيس الجالس حالياً في البيت الأبيض، ويريد تغييرها؟؟
واضح أن “اليوم التالي لما بعد كارثة المغازي”، يترك داخل إسرائيل نفس حالة الصخب ونفس مراديد الانهيار في الحالة المعنوية التي تركها في أثره “يوم ٧ أكتوبر” أو ما يسمى في إسرائيل بكارثة “يوم فرح التوراة”.
وإذا كان نتنياهو نجح بعد “كارثة ٧ أكتوبر” في إطالة أمد عمره السياسي أكثر من ١٠٠ يوم، فإنه بعد “كارثة المغازي” سيكون صعباً عليه تمديد فترة نجاته من المساءلة، ولكن هذه المرة ليس مساءلته فقط عن مسؤوليته بالتقصير في ٧ أكتوبر، وليس أيضاً عن التقصير على مستوى أدائه في حرب غزة؛ بل أيضاً عن مسؤوليته الواضحة في أخذ أحداث الحرب في غزة للتسبب “بكارثة ليلة المغازي”.