خاص الهديل
بقلم ناصر شرارة:
منذ يوم ٧ أكتوبر الذي شهد بدء الحرب في غزة المستمرة حتى اليوم؛ دخل الوضع الداخلي اللبناني بكل أزماته المعلقة إلى ثلاجة الانتظار؛ وبدأ لبنان السياسي يعيش تحت سقف تطبيقات النظرية التي شاعت في دول المواجهة العربية خلال فترة ستينات القرن الماضي؛ ومفادها أن لا شيء يعلو فوق صوت المعركة.
غير أنه حدث خلال الأيام الأخيرة، نوع من الخرق لمناخ الانتظار اللبناني؛ ورغم أن هذا الخرق لم يكن بمبادرات لبنانية؛ إلا أنه حصل فوق الأراضي اللبنانية وخارجها، وكان أبطاله سفراء الدول الخماسية؛ بالإضافة لحراك في الخارج غذته معلومات من واشنطن عن بدء تداخل بين مهمة أموس هوكشتاين بخصوص ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل وبين مهمة اللجنة الخماسية الخاصة بإنهاء الشغور الرئاسي.
وأفادت هذه المعلومات التي جرى تداولها على نطاق واسع أن هوكشتاين ومعه مساعدة وزير الخارجية، سينضمان إلى اجتماع الخماسية من أجل لبنان الذي هناك اليوم تضارب حتى الآن حول موعد ومكان عقده.
وإذا تأكد على نحو قاطع أن هوكشتاين سينضم إلى اجتماع الخماسية المقبل والمنتظر؛ فهذا سيعني، أولاً أن بايدن قرر فصل الوضع اللبناني بكليته عن مهمة بلينكن الخاصة بمتابعة ملف حرب غزة؛ ويعني ثانياً واستطراداً؛ أن بايدن يريد إيداع كل الملف اللبناني في عهدة هوكشتاين الذي يعمل مع الرئيس مباشرة، وليس إلى الخارجية؛ ما يؤشر إلى أن بايدن يريد إنجازاً سياسياً في لبنان يصرفه في رصيده الانتخابي؛ ذلك أن التجارب تقول أن تعزيز حظوظ الرئيس الأميركي المرشح لولاية رئاسية ثانية، يتم من خلال نجاحه في إبرام تسويات سياسية، وليس من خلال فتح حروب في العالم.. والمفارقة القائمة حالياً تقع أنه فيما بايدن بحاجة في هذه اللحظة إلى نصر سياسي خارجي يسوقه بين الناخبين الأميركيين؛ فإن نتنياهو بحاجة لإطالة أمد الحرب ونصر عسكري يساعده بإطالة عمره السياسي.
والواقع أن هذا التعارض الموجود في هذه اللحظة بين بايدن الذي يريد “تسوية سلمية”؛ وبين نتنياهو الذي يريد “حرباً إضافية”؛ هو الذي يفسر القلق الناشئ حالياً من إمكانية إقدام إسرائيل على ضربة خاطفة وشاملة ضد حزب الله تؤدي لاندلاع حرب شاملة، يخطط نتنياهو لأن تكون لأيام قليلة؛ ثم تنتهي بوقف للنار، يتزامن بنفس الوقت مع وقف النار في غزة.. ويراهن نتنياهو على أن هذا الإخراج سيوفر له فرصة النزول بهدوء عن شجرة غزة.
ويحذر هذا السيناريو من أن يختار نتنياهو توقيتاً لبدء حربه الخاطفة ضد لبنان، يكون قبيل عقد الخماسية التي قد يشارك بها هوكشتاين، والتي تقول المعلومات أن الرئيس بايدن يريد أن يجعل عقدها بمثابة بداية لإطلاق مسار دولي وإقليمي جدي بشأن لبنان. وعليه فإن نتنياهو يريد مطاردة طموحات بايدن إلى داخل قاعة اجتماع الخماسية المقبل، وهدفه من ذلك أن يفرض عليه أن يتقاسم معه نتائج الحل السياسي في لبنان. ولتحقيق ذلك يفكر نتنياهو أن يبدأ هذا المسار الأميركي للحل في لبنان، بحرب إسرائيلية شاملة على لبنان، قبل موعد اجتماع الخماسية، وتنتهي هذه الحرب بقرار وقف للنار يتخذ داخل اجتماع الخماسية؛ ويشتمل أيضاً على تركيب الحل اللبناني من الحدود مع إسرائيل والقرار ١٧٠١، حتى ملف الشغور الرئاسي وتحديد هوية رئيس المرحلة اللبنانية الجديدة!!
.. وبالعودة لإستكمال المعاني المترتبة عن مشاركة هوكشتاين في اجتماع الخماسية المقبل؛ فتجدر الإشارة إلى أن مشاركته ستؤشر إلى أن إدارة بايدن تريد البدء بمعالجة الوضع اللبناني من الجنوب حتى ملف الشغور الرئاسي، من نقطة ما وصل إليه اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي تعتبره الإدارة الأميركية من أهم الإنجازات الخارجية لها؛ وليس انطلاقاً من يوم ٨ أكتوبر الذي هو لحظة بدء مشاركة حزب الله في حرب غزة؛ بمعنى آخر، يريد بايدن إطلاق مسار مبادرة أميركية في لبنان تسير وحدها بموضوع ترسيم الحدود البرية، وتسير بالتضامن مع الخماسية في موضوع إنهاء الشغور الرئاسي؛ ولكن هذه المرة – وهذا هو المستجد المهم – عبر توحيد جزئي هذا الملف ووضعه بعناية هوكشتاين؛ وبذلك يصبح الأخير مسؤول عن انتاج حل شامل لأزمتي الحدود البرية والـ١٧٠١ ولإنهاء الشغور الرئاسي.
وكل ما تقدم أعلاه، يؤشر إلى أن رهانات كبيرة يتم عقدها على اجتماع الخماسية المقبل؛ وذلك لجهة إمكانية أن يحقق خرقاً فعلياً تقوده أميركا ضمن الخماسية في لبنان.
وفي هذا السياق لفتت مصادر مطلعة إلى أن بيروت تشهد بعيداً عن الأضواء حالياً، حركة خارجية وداخلية على صلة بترتيب أجندة عمل الخماسية ابتداءاً من ملف جولة السفراء الخمسة على المسؤولين اللبنانيين، وصولاً لعقد اجتماعها المرتقب.
وتلفت هذه المصادر إلى ضرورة التنبه لحركة أطراف بدأت تحاول التشويش على عمل الخماسية ونشاط أعضائها في لبنان وفي كل المنطقة.. ومن هذه المحاولات التشويش المخطط الذي واكب مؤخراً اللقاء الذي جرى في دارة السفير السعودي وليد البخاري مع السفير الإيراني مجتبى أماني.
والواقع أن مصادر مطلعة عقبت على هذا اللقاء وعلى طبيعة ما واكبه من ردود فعل عليه، على الشكل التالي:
أولاً- لا يجب تحميل اللقاء أبعاداً لبنانية أكثر مما يحتمل؛ ولكنه على مستوى معناه داخل تطور العلاقات الإيرانية السعودية؛ فهو بلا شك يحمل معانياً مهمة.
ثانياً- انطلاقاً من هذا المعنى السعودي الإيراني الإيجابي للقاء؛ فإنه يمكن الاستنتاج بكثير من الثقة أن لبنان يستفيد من المناخ العام الذي أشاعه اللقاء.
ثالثاً- ليس للقاء السفيرين الإيراني – السعودي أية علاقة مباشرة بتحضيرات السفراء الخمس في لبنان لعقد اجتماع الخماسية؛ ولذلك يمكن القول أنه ليس صحيحاً ما قامت به عن سابق تخطيط، بعض الأطراف لجهة تقصدها إشاعة أجواء داخل كواليس سياسية مغلقة تقول وتزعم أن تأجيل جولة سفراء الخماسية على المرجعيات والمسؤولين اللبنانيين الأساسيين، جاء بطلب من السفيرة الأميركية جونسون التي تحفظت على أن تبدأ الجولة في ظل مناخ اللقاء بين السفيرين البخاري وأماني الذي لفت الاهتمام.
.. وحاولت هذه الأطراف ضمن هذا السياق، إشاعة جو يقول أن جونسون لا تريد أن يبدو أن هناك تنسيقاً بين الخماسية وإيران بأي شكل كان؛ ولذلك أرادت أن يكون هناك فسحة زمنية بين لقاء السفيرين الإيراني والسعودي وبين بدء جولة سفراء الخماسية في لبنان على المرجعيات السياسية والحزبية اللبنانية.
.. إلى ذلك، جاء في وقته تصريح السفير المصري في لبنان علاء موسى بعد لقائه الرئيس نبيه بري، والذي أكد فيه أن تأجيل جولة سفراء الخماسية على المرجعيات اللبنانية، حصل لأسباب لوجستية “فقط” تتعلق بترتيب مواعيد السفراء..