خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
قال مراسل قناة ١٣ الإسرائيلية أمس تعليقاً على الوضع الذي ساد الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة: ان الشمال يشهد ليلة نار.
واتضح أن الأمر يتعلق بأن حزب الله قام برد على تصعيد الجيش الإسرائيلي لقصفه مناطق تتجاوز ميدان ال٥ كلم، واستهدف منازل ومؤسسات مدنية. وليلة أمس قصف الحزب بصاروخ بركان ثكنة زارعيت؛ وفي توصيفهم لواقعة سقوط هذا الصاروخ قال مراسلو القنوات التلفزيونية على الحدود الشمالية لإسرائيل، أنه “حدث انفجار ضخم بالتزامن مع إطلاق صواريخ وقذائف هاون، ما أثار الرعب لدى مستوطني الشمال الذين أرسلوا مئات الرسائل الهستيرية لجهات مختصة يستعلمون فيها عن ما يحدث في الشمال”!!.
ووصف إعلام العدو ليلة أمس بأنها كانت كارثية في منطقة الحدود الشمالية مع لبنان، حيث أن صفارات الإنذار لم تتوقف لعدة ساعات؛ وهناك حالة هلع تسببت بها صواريخ تنطلق من لبنان.
إلى هنا المشهد كما وصفه الإعلام العبري عن “ليلة نار الشمال” أمس؛ ولكن ماذا عن صباح اليوم؛ وبالتحديد ماذا سيحدث بعد جولة تبادل ذروة التصعيد بين إسرائيل والحزب الذي جرى خلال الساعات ال٧٢ الأخيرة؟؟.
في حزب الله يقولون أنه كلما طالت الحرب في غزة كلما عنى ذلك أن منسوب تحول المواجهات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل إلى حرب شاملة سوف ترتفع يوماً بعد يوم..
وتلفت أوساط في الحزب إلى أن غياب أي أفق سياسي لحرب غزة، يجعل المواجهة في لبنان تتقدم نحو خيار التحول إلى حرب، وليس وقف الحرب أو الحفاظ على تصعيد عسكري مضبوط..
نفس هذا التشاؤم بخصوص ما ينتظر الجبهة الشمالية موجود أيضاً على الجانب الإسرائيلي. هناك أكثر من عامل يحث القرار الإسرائيلي على الذهاب لحرب مع لبنان:
– عبّر أحد الخبراء العسكريين الإسرائيليين ليلة أمس على ما يدور في تفكير المستوى العسكري في إسرائيل، وذلك تعليقاً على ما بات يسمى “جولة ذروة التصعيد” التي حدثت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة على الجبهة الشمالية مع حزب الله بالقول: “إذا كان ليس بإمكان إسرائيل حالياً تدمير بيروت، فلماذا لا تقوم بتدمير مركبا؟؟ (قرية لبنانية حدودية).
والواقع أنه بعد مرور نحو أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب على الجبهة الشمالية، بات هناك داخل القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي عدة آراء عن ما يجب فعله ضد حزب الله ولبنان.
بداية يجب لفت النظر إلى أن هيئة أركان قيادة الشمال تستمر بتلقي تعليمات من هيئة الأركان العامة تقيد حركتها ضمن قواعد الإشتباك مع حزب الله التي تقوم على عدم تجاوز ميدان ال٥ كلم؛ وعلى تحاشي التسبب بضرر للمدنيين. ولكن هذه التعليمات التي كانت صارمة خلال فترة بداية المواجهات، بدأت تتضاءل؛ وبمعنى أدق، فإن حركة إسرائيل بالميدان أخذت تظهر بوضوح أن القيادة الشمالية الإسرائيلية تنتهج نفساً تصعيدياً يحمل رسائل تدلل أن هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي وقيادتها السياسية، هما بصدد الانقلاب على قواعد الاشتباك المرعية منذ بدء المواجهات على الحدود بين لبنان والكيان العبري.
لا شك أن هذا التحول يجعل المسافة باتجاه اندلاع الحرب، أقصر بكثير. وأبعد من ذلك، فإن هذا التحول يفيد بأن الحرب على الجبهة الشمالية، لم تعد مرهونة بحصول خطأ غير محسوب؛ بل أصبحت مرهونة أيضاً بإستمرار تكرار “جولات ذروة التصعيد” التي شهد المراقبون إحدى نماذجها خلال ال٧٢ الماضية التي كانت ليلة أمس خاتمتها.
في حال رد اليوم الجيش الإسرائيلي بتصعيد إضافي على الرد التصعيدي الذي قام به حزب الله ليلة أمس على تصعيد إسرائيل خلال الأيام الأخيرة، فهذا سيعني أن تل أبيب تريد أخذ المواجهات في الشمال إلى “منطق تصعيدي” وليس إلى “منطق تبريدي”.. وسيعني هذا أيضاً أن الإتجاه الذي يدعو داخل الجيش الإسرائيلي للحسم العسكري مع حزب الله، أصبح مسموعاً أكثر داخل القيادة الشمالية واتصالاً داخل الأركان العامة ووزارة الدفاع وكابينيت الحرب.
ويتألف ما يمكن تسميته “باتجاه الحسم داخل الجيش” مع حزب الله؛ من ضباط ميدانيين في الجبهة الشمالية، وأيضاً من ضباط كبار في القيادة الشمالية؛ وهؤلاء تتماثل نظرياتهم العسكرية مع نظريات رئيس أركان الجيش الأسبق وعضو كابينت الحرب الحالي ايزنكوت.. يرى ضباط تيار ايزنكوت كما يطلق عليهم، أنه يجب عدم البقاء في مربع الاستنزاف العسكري بمقابل حزب الله، وأن المطلوب تصميم مناورات عسكرية وسياسية، تكسر معادلة اللاحرب واللاهدوء السائد حالياً على الجبهة الشمالية. وقبل نحو ثلاثة أسابيع رفع ضباط ميدانيون في الشمال إلى قيادتهم سيناريو يوصي بأن تعلن إسرائيل من طرف واحد وقف إطلاق للنار على الحدود مع لبنان لمدة ٧٢ ساعة، وأن يرفق هذا الإعلان ببند واضح يقول أنه خلال وقف إطلاق النار التجريبي هذا، يجب أن لا يتم إطلاق أي قذيفة من لبنان باتجاه إسرائيل، وفي حال لم يلتزم حزب الله بهذا البند، فحينها ستمتلك إسرائيل تبريراً أمام المجتمع الدولي يسمح لها بفتح حرب على لبنان، قد تكون لأيام قليلة يتبعها تدخل دولي يؤدي إلى وقف للنار بمعزل عما يحدث في غزة.
تجدر الإشارة بخصوص هذه الجزئية إلى أن هؤلاء الضباط الميدانيين والضباط الكبار في القيادة الشمالية الذين يطالبون باعتماد “سيناريو الحسم مع حزب الله”، يوجد لديهم تقاطع في وجهة نظرهم هذه مع لوبي سياسي يميني متماهي معهم، ويمارس هذا اللوبي عملية ضغط على العضوي الرئيسيين في كابينت الحرب اليمينيين، نتنياهو وغالانت. ومن هنا يلاحظ أنه رغم خلافاتهما على كل شيء تقريباً، إلا أن غالانت ونتنياهو تتفق تصريحاتهما على استخدام لهجة متشددة عند حديثهما عن ما يجب فعله تجاه لبنان وضد حزب الله؛ حيث يصران على أن نافذة الحل الدبلوماسي تنفد، وأن الوضع يحتاج إلى معالجة عسكرية جذرية (أي الحرب).
ويمتاز “سيناريو وقف إطلاق النار من جانب واحد مع لبنان” بحسب ما يقوله واضعوه، بأنه يحقق عدة أهداف في وقت واحد؛ أولها أنه يكسر هدف الحزب بربط وقف النار على الجبهة الشمالية بوقف النار على الجبهة الجنوبية.
ثانياً- يحرج هذا السيناريو لبنان دولياً، ويحدث شرخاً داخلي فيه بين الحزب من جهة وبين معارضيه اللبنانيين الذين سوف يطلبون منه القبول بعرض وقف النار الإسرائيلي.
ثالثاً- من شأن هذا السيناريو قطع المناورة العسكرية والسياسية التي ينتهجها الحزب منذ يوم 7 أكتوبر ٢٠٢٣، ومفادها استنزاف الجبهة الشمالية وفرض عدم انتظام للحياة داخل مستوطنات خط الحدود الشمالية.
لا يزال هذا السيناريو على الطاولة، وآوان طرحه قد يكون في اللحظة التي يريد فيها نتنياهو الضغط على بايدن لمطالبته بنتائج عملية لدبلوماسية هوكشتاين بين إسرائيل ولبنان.. وعليه؛ يمكن القول أن “جولة ذروة التصعيد” التي جرت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة على الجبهة الشمالية والتي بدأتها إسرائيل، وانتهت ليلة أمس برد حزب الله؛ كانت أكثر ارتباطاً بما يجري من حيويات خارجية من أجل تحريك ملف لبنان بشقيه الداخلي والحدودي مع إسرائيل. فجولة ذروة التصعيد الأخيرة، يمكن أخذها كدليل على خطورة الوضع على الجبهة الشمالية التي قد تنزلق لحرب، ولكن أيضاً وبالمقابل، يمكن أخذها كدليل على أنه في الظل تجري عملية تفاوض عميقة وساخنة للوصول إلى تسويات وحلول!..