خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
التقى الرئيس الأميركي على مدار الساعات الـ٤٨ الماضية، مرتين بفريقه الخاص الذي سيساعده باتخاذ قرار الرد على الهجوم الذي استهدف قاعدة أميركية في شمال شرق الأردن، والذي أدى لمقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرج أربعين آخرين.
وتوحي تصريحات المسؤولين الأميركيين التي واكبت مسار اجتماعيّ أخذ قرار الرد في البيت الأبيض، أن فريق الرئيس الأميركي، قدم له (لبايدن) ملف الهجوم على قاعدة شمال شرق الأردن، بوصفه ملفاً يتكون من ثلاثة أبعاد وأحداث متكاملة تشهدها المنطقة، ولا يمكن فصل أية واحدة بينها عن الأخرى:
البعد الأول أو الحدث الأول هو علاوة عن سؤال هام يسود أروقة البيت الأبيض والبنتاغون، وهو كيف نجحت المسيرة “شاهد” الإيرانية الصنع، بالوصول إلى القاعدة الأميركية من دون أن تعترضها منظومة الدفاع الجوي الأميركي؟.
وبغرض الإجابة عن هذا السؤال، تم وضع عدة فرضيات أمام بايدن ووزير الدفاع استن؛ بينها واحدة تكهنت بأن المسيرة المهاجمة نجحت في تحاشي اعتراضها، كون مشغليها استهدفوا القاعدة في نفس الوقت الذي كانت فيه المنظومة الأميركية لاعتراض الصواريخ والمسيرات، منشغلة بمراقبة مسيرة أميركية كانت عائدة للقاعدة من مهمة تجسس!!
.. غير أن المعلومات اللاحقة التي وردت عن البنتاغون لم تدعم صحة هذا التفسير، بل أكدت أنه حتى هذه اللحظة لم يصل التحقيق العسكري الأميركي إلى إجابة أكيدة ونهائية حول السبب الذي يقف وراء نجاح مسيرة شاهد باختراق منظومة الدفاع الجوي الأميركي في شمال شرق الأردن.
ويواجه بايدن ووزير دفاعه إحراجاً تجاه هذه النقطة قد يكبر ويتكور ككرة الثلج، كون الجمهوريون من أنصار ترامب بدأوا يحاولون انتاج مناخ داخل حملتهم الانتخابية يفيد بأن إدارة بايدن وقعت عملياً بمصيدة ٧ أكتوبر صغيرة في شمال شرق الأردن، أعدتها لها إيران، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى (٤٥ جندياً احتياطياً)، علماً أن بين هؤلاء الجرحى هيبة واشنطن في الشرق الأوسط التي أصيبت بإهانة كبيرة. وتتجه هذه الحملة ضد بايدن لتركز على نقطة أنه ضعيف عكس ترامب وأن وزير دفاعه يجب أن يحال فوراً إلى التحقيق بسبب تقصير منظومة اعتراض الصواريخ في إسقاط مسيرة شاهد التي أصابت حامية القاعدة الأميركية وهيبة واشنطن في المنطقة.
البعد الثاني أو الحدث الثاني المطروح داخل ملف هجوم شمال شرق الأردن، يتمثل بمعطى يوليه بايدن وفريقه أهمية فائقة، ومفاده ضرورة أن تتم صياغة رد عسكري أميركي على هجوم مسيرة شاهد، لا يؤدي إلى نسف أو الإضرار بصفقة الأسرى بين إسرائيل وحماس التي واكبتها واشنطن منذ نقاشها في باريس قبل أيام، وصولاً لمساعي بلورتها حالياً في كل من مصر وقطر، وذلك وسط دور من قبل إدارة بايدن يسعى لإزالة العقبات من أمام إتمامها، توصلاً لإعلانها خلال الساعات القادمة..
والواقع أن حرص البيت الأبيض على إعطاء أولوية لاتمام صفقة الهدنة والأسرى في حرب غزة؛ يؤشر إلى أن بايدن لم يبادر للرد عسكرياً على هجوم شمال شرق الأردن قبل إنجاز صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وهذا يعني أن الرد العسكري الأميركي مؤجل، أقله لما بعد إعلان صفقة الهدنة الجديدة في غزة وبدء تطبيقها.
والسؤال هنا؛ هو ماذا لو تأخرت عملية إبرام صفقة هدنة تبادل الأسرى؛ أو ماذا لو فشلت(؟؟)؛ فهل سيعني هذا أن إدارة بايدن حينها ستذهب لخيار أن خوض حرب ثانية أوسع في المنطقة ضد إيران أو ضد حلفائها، داخل حرب غزة؛ بحيث تجد إدارة بايدن نفسها، في زمن الانتخابات، أنها متورطة في حروب شاملة على ست جبهات خارجية وداخلية في وقت واحد..
والمعنى هنا هو أنه إذا كان بايدن ينصح نتنياهو بعدم فتح حرب على الجبهة الشمالية مع لبنان؛ لأنه ليس من مصلحة إسرائيل خوض حربين في وقت واحد؛ فإنه حري به (أي بايدن) أن ينصح نفسه يتجنب خوض ست حروب في وقت واحد؛ والمقصود هنا “حرب غزة المتورط بها”؛ و”حربه المتوقعة مع إيران أو مع حلفائها” في حال تدحرج رده إلى حرب إقليمية؛ و”حربه القائمة ضد بوتين في أوكرانيا”، وأخيراً أو رابعاً “حربه الداخلية” المستعرة فعلياً نتيجة “انقلاب تكساس” وسباقه على الرئاسة مع ترامب.
إن تعقيدات الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المتداخلة تداعياتها على نحو لا يسمح بمعرفة خواتيمها؛ هو الذي جعل بايدن كما يستشف من تصريحات إدارته وأركانها خلال الساعات الماضية، يضع سلم أولويات لكيفية تخطيط ردة فعله على مقتل الجنود الأميركان الثلاثة في قاعدة شمال شرق الأردن، حيث تتدرج نقاط أولويات ردة فعله من أعلى إلى أسفل، على النحو التالي:
في أعلى سلم أولويات بايدن، يوجد هدف إتمام هدنة صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل؛ وفي المرتبة الثانية يقع هدف إكمال جمع المعلومات حول النقاط التالية: من أين انطلقت المسيرة أين وقع خطأ فشل اعتراضها؛ في المرتبة الثالثة يأتي هدف صياغة طبيعة رد عسكري أميركي لا يؤدي توقيته إلى الإضرار بصفقة الأسرى المرتقبة؛ ولا يؤدي إلى حرب مع إيران ولا إلى توسيع حرب غزة..
البعد الثالث أو الحدث الثالث داخل حدث مقتل الجنود الثلاثة الأميركيبن كما تنظر إليه إدارة بايدن يتعلق بتحديد مسؤولية إيران عن الحادث؛ وتخطيط عقابها..
أمس قال المخولون بالحديث بإسم بايدن وبإسم إدارته؛ وعلى رأسهم كيري أن واشنطن لا تسعى لحرب مع طهران؛ وبالتزامن قال بايدن أنه سيختار وقت وشكل رده على المتسببين بالهجوم؛ فيما قال بلينكن أن الرد الأميركي سيتم على مراحل وسيكون مداه الزمني طويلاً.
هذه التصريحات الثلاثة ترسم صورة الرد الأميركي كما يفكر به بايدن؛ فهو أولاً سيكون في توقيت سياسي له علاقة بسلم أولويات أهداف بايدن في المنطقة في ظل ظرف حرب غزة؛ وهو ثانياً سيعتمد التمرحل في توجيه ردة الفعل العسكري الأميركي؛ بمعنى أنه سيكون على شكل عمليات صغيرة ومؤثرة ويفصل بينها فسحة زمنية؛ ما يعني أنها لن تكون حرباً تتم على دفعة واحدة.
وبحسب النقاش الحالي الجاري في واشنطن حول أفضل رد عسكري أميركي؛ يظهر بوضوح أن هناك ميلاً لدى الديموقراطيين وبعض الجمهوريين لتوجيه ضربات إغتيال أمنية استخباراتية لقادة الحرس الثوري، تكون بثقل ووزن عملية اغتيال ترامب لقائد فيلق القدس قاسم سليماني.
ويتصدر لائحة الاغتيالات المطروحة حالياً، إسم القائد الحالي لفيلق القدس اسماعيل قآاني؛ أضف إلى ذلك أنه ظهر خلال هذا النقاش وجود آراء تدعو بايدن لأن تطال لائحة الاغتيالات قادة مناصرين لفيلق القدس في العراق وسورية ولبنان..
كما أنه على هامش النقاش الذي يديره فريق بايدن لتخطيط ردة الفعل العسكرية الأميركية، بدأ يسود خشية من أن يدخل نتنياهو على خط التبرع بالانتقام لقتل الجنود الأميركيين الثلاثة؛ وذلك من خلال تنفيذ عملية اغتيال كبيرة وصادمة داخل إيران أو خارجها (في العراق أو سورية أو لبنان)، بحيث تخدم عمليته هذه أجندته التي تريد على عكس أجندة بايدن، إحداث صدام عسكري كبير بين واشنطن وطهران.. فهل يفعلها نتنياهو المحشور حالياً تحت ضغط أميركي كبير ليقبل بصفقة هدنة طويلة في غزة، سيكون من نتائجها فتح مرحلة سياسية إسرائيلية، عنوانها تفرغ الداخل الإسرائيلي لمساءلته قضائياً وأمنياً وسياسياً؟؟.