خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
نقل الإعلام الإسرائيلي أمس عن مصادر أميركية، أن الرئيس الأميركي بايدن سيرسل يوم السبت القادم، وذلك للمرة السادسة منذ ٧ أكتوبر الماضي، وزير خارجيته بلينكن إلى المنطقة. وكعادته خلال كل زياراته السابقة التي جاءت في سياق حرب غزة ستوجه دول المنطقة لـ بلينكن السؤال ذاته عما إذا كان في زيارته هذه المرة سيمثل سياسة الولايات المتحدة الأميركية من حرب غزة ومن تداعياتها الكبرى، أم أنه مستمر بتمثيل موقف إسرائيل من حرب غزة؛ ومستمر بتغطية مجازرها الكبرى ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة.
صحيح أنه بين زيارته الأخيرة للمنطقة وبين زيارته المنتظرة بعد أيام قليلة، لم يمض إلا فترة زمنية قصيرة جداً؛ إلا أن الصحيح أيضاً أنه خلال هذه الفترة الوجيزة، جرت مياه كثيرة في نهر أحداث حرب غزة: خلال زيارته الماضية لم تكن محكمة العدل الدولية قد انخرطت لتصبح جزء من معركة العام – عدا واشنطن – الساعي لوقف جرائم إسرائيل، ومطالبتها بأخذ إجراءات مؤقتة تمنع استمرارها في حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي زيارة بلينكن الماضية لم تكن أوروبا وضعت أول خطوة لها على طريق تغيير موقفها لمصلحة بدء المطالبة بوقف للنار في غزة؛ بغض النظر عن المصطلح الذي اختارته للتعبير عن موقفها هذا..
وفي زيارته الماضية، لم تكن عمليات استهداف القواعد الأميركية في المنطقة قد انتقلت من حيز كون لها فعل الحرب الإعلامية، إلى حيز تحولها لحرب تخلف في اثرها قتلى من الجنود الأميركيبن، كما حصل في شمال شرق الأردن قبل أيام..
أضف لذلك أنه في زيارته الماضية، كانت السفن التجارية المتوجهة إلى إسرائيل عبر طريق البحر الأحمر، هي المستهدفة حصراً من قبل الحوثيين؛ بينما اليوم أصبحت السفن الأميركية في البحر الأحمر هدفاً جديداً يتم إطلاق النار فعلياً عليه من قبل الحوثي، وليس إعلاميا فقط.
.. وبهذا المعنى، يأتي بلينكن لأول مرة إلى المنطقة ضمن سياق مواكبته لحرب غزة، وهو مكبل بتغيرات عالمية وإقليمية سياسية وعسكرية واقتصادية وجيوسياسية، طرأت على مشهد حرب غزة..
والسؤال اليوم هل ستلحظ زيارة بلينكن الحالية هذه المتغيرات من خلال تضمين معطياتها في خلفيات طروحاته ومقارباته لحرب غزة؛ أم أنه سيستمر بلحظ متغير واحد يتحكم بخلفيات كل طروحاته؛ ومفاد هذا المتغير الوحيد – حسب تسمية المصطلح الإسرائيلي – هو: كيفية إخراج إسرائيل من ثقب يوم ٧ أكتوبر الأسود؛ ومساعدتها على الانتقام، وإيصال رسالة ردع في غزة وليس حلاً لأزمة غزة؟
فور حدوث عملية طوفان الأقصى، أرسل بايدن حاملاته العسكرية إلى بحار المنطقة، وقال البيت الأبيض حينها أن الهدف من ذلك هو منع توسع الحرب والدفاع عن “وجود إسرائيل” و”حقها” بالدفاع عن نفسها(!!)؛ ولكن المفارقة أن بايدن يجد نفسه اليوم، وبعد مرور ثلاثة أشهر ونصف على حرب غزة، أنه بات مضطراً لتغيير المهمة المركزية لأساطيله في بحار المنطقة، لتصبح مهمتها المركزية والملحة والسريعة، هي الدفاع عن وجود أميركا ذاتها في المنطقة؛ وقمع المتورطين بتوسيع حرب غزة ضد القواعد العسكرية الأميركية في دول المنطقة..
ومن منظار أميركي فإن حرب أميركا للدفاع عن إسرائيل، ومنع دول ومنظمات من الدخول ضدها في حرب غزة؛ تحولت إلى حرب دفاع عن أميركا في البحر الأحمر، وإلى حرب دفاع عن بقاء وجود أميركا العسكري في العراق والأردن وسورية، الخ.. وعليه تبدو زيارة بلينكن ضمن هذه الأجواء إلسائدة في المنطقة، أقرب ما تكون إلى صورة توحي بأن بايدن أرسل على عجل “حاملة دبلوماسية بلينكن” إلى الشرق الأوسط لتقوم بحماية حاملة ايزنهاور وشقيقاتها الحاملات العسكرية، التي كان أرسلها بايدن أيضاً على عجل بعد أحداث يوم ٧ أكتوبر.
ومن هنا يلاحظ هذه المرة وجود تعويل إقليمي وعالمي حذر على أن تكون إدارة بايدن نتيجة كل هذه التطورات، قد استوعبت ثلاثة أمور:
الأول أن تكون استوعبت الدرس بخصوص أن الشرق الأوسط لديه قابلية عالية كي يصبح مستنقعاً كبيراً تغرق به “حاملات الطائرات والسياسات الدولية” التي تبحر باتجاهه بهدف حماية سياسات العدوان، وبخاصة على حقوق الشعب الفلسطيني.
والواقع أن الذاكرة الأميركية تعرف جيداً هذه الوقائع؛ ولها تجارب أليمة لا تزال ماثلة معها؛ كمثال تفجير مقر المارينز في بيروت الذي حدث في ظروف حرب إسرائيل الثانية على لبنان وعلى المقاومة الفلسطينية في لبنان عام ١٩٨٢..
الأمر الثاني أن يكون بايدن استوعب أن الأفضل لإدارته إستبدال “حاملة ايزنهاور العسكرية” الموجودة في المنطقة؛ “بحاملة بلينكن السياسية والدبلوماسية”، شرط أن يمثل بلينكن على طاولة مباحثاته مع دول المنطقة، موقف وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها، وليس موقف الحركة الصهيونية الإيديولوجي ومصالح وسياسات تل أبيب ونتنياهو وبن غفير وغانتس وسموتريتش..
الأمر الثالث هو أن يحمل بلينكن معه تصور عن الحل لغزة، وليس حلاً لتصور كيفية استمرار حالة عدم وقف إطلاق النار في غزة.
إن مشكلة بايدن كما ستنعكس على زيارة بايدن، سوف تتمثل في أن سياسة أميركا في الشرق الأوسط – كما يقول كسينجر – تستجيب لأوضاع داخلية أميركية، وخاصة في مواسم الانتخابات الرئاسية الأميركية كما هو الحال الآن؛ وتستحيب بنفس الوقت لمصالح إسرائيلية، وذلك على حساب مراعاة خصوصيات أمن المنطقة ومصالح شعوبها وهويتها، الخ…
وعليه فإن المتوقع هو أن يأتي بلينكن للمنطقة، ولديه في جعبته التصورات التالية:
– استبدال الحديث عن وقف النار بالحديث عن هدن إنسانية غايتها الجوهرية نزع ورقة الأسرى الإسرائيليين من يد حماس…
– عدم الحديث عن أن مدخل الحل يتم من خلال استرداد حقوق الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي، والحديث بدل ذلك عن أن مدخل الحل هو ترشيد تركيبة السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال استحداث إجراءات من بينها تعيين نائب للرئيس محمود عباس تنقل إليه صلاحيات رئاسية واسعة.
– استيعاب تبعات التحول الدولي ضد إسرائيل، وذلك من خلال أن تقوم زيارة بلينكن بتقديم جرعة معنوية لإسرائيل عبر إظهار أن محكمة العدل الدولية ينبغي لها كي تكون “عادلة” في موضوع حرب غزة أن تنظر لتواطؤ مؤسسات تابعة للأمم المتحدة بعملية ٧ أكتوبر، وليس أن تنظر فقط لإسرائيل بوصفها لوحدها هي الجهة المرتكبة في حرب غزة.