خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
يعتقد بنيامين نتنياهو بحزم أن خيار الإستمرار بالحرب كفيل بأن يحل له ولإسرائيل ألف مشكلة إستراتيجية؛ فيما خيار التوقف عن الحرب، سوف يجلب له ولإسرائيل ألف مشكلة إستراتيجية!!
ولا يختلف إثنان على أن خيار الإستمرار بالحرب يخدم أسباب نتنياهو الشخصية المتصلة بمستقبله السياسي؛ ولكن بنفس الوقت صار مطلوباً أن لا يختلف إثنان على حقيقة أن اسباب نتنياهو الشخصية لا تشكل كل خلفيته التي تجعله يرفض وقف النار ويمضي في حرب غزة حتى النهاية.. هناك لائحة طويلة من الأسباب الإستراتيجية التي تحض كل إسرائيل “بيمينها” و”وسطها” و”يسارها” على الإستمرار في الحرب رغم كلفتها العالية، ورغم صعوبة تحديد هدف واضح ومضمون التحقق لها:
ولعل أبرز هذه الأسباب حسبما يراه ليس فقط نتنياهو بل كل الطيف السياسي والعسكري الإسرائيلي، يتعلق بضرورة أن تخرج إسرائيل من حرب غزة “بنصر واضح” على حماس؛ وربما بعد انتهاء حرب غزة “بنصر واضح” على حزب الله في لبنان..!!
والفكرة هنا أن إسرائيل لم تعد تستطيع الإقامة داخل فضائها الداخلي والإقليمي جنباً إلى جنب مع قوى أيديولوجية معسكرة تشكل تحدياً لأمنها على نحو جلي. كان ذلك ممكناً بالنسبة لها قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؛ ولكن بعد هذا التاريخ أصبح من متطلبات الحفاظ على أمن التماسك الداخلي لمشروع دولة إسرائيل، تحقيق هدف محدد لا يحتمل الغموض على مستوى إنجازه وهو إظهار ردع واضح ومقنع للداخل الإسرائيلي بمقدار ما هو واضح ومقنع للمنطقة برمتها. والمقصود هنا تحصيل صورة ردع لإسرائيل تحاكي الصورة التي حصلتها بعد حرب العام ١٩٦٧: صورة تهزم نموذج حماس وحزب الله؛ كما هزمت نموذج عبد الناصر؛ وتهزم صورة أبو عبيدة كما هزمت صورة أحمد سعيد وسخّفته بعد حرب الـ٦٧!!
بهذا المعنى فإن نتنياهو يبحث عن نهاية لهذه الحرب تؤكد على تحقيق هدف استعادة إسرائيل لكامل صورة الردع، خاصة تجاه حماس في غزة وتجاه حزب الله في لبنان.
.. وعليه فإن هدف نتنياهو النهائي في غزة هو فيلادلفيا، أي جعل غزة ليس فقط محاصرة؛ بل منعزلة عن العالم ومفتوحة فقط على حدود الهجرة تحت عبء عدم القدرة على الاستمرار بالحياة فيها..
والواقع أن موقع بايدن داخل هذا المخطط هو أكبر وأخطر بما لا يقاس من موقع نتنياهو فيه.. فرغم أن إدارة بايدن ترفع بالعلن بوجه نتنياهو شعاري لا لتهجير الغزاويين ولا لعودة الإحتلال الإسرائيلي إلى غزة؛ إلا أن وقائع سياسية بايدن، وليس أقوالها، تؤكد لمن يريد متابعة معانيها، أنها بالعمق ليست ضد تهجير الغزاويين، بل ضد طريقة نتنياهو في فعل ذلك؛ وتؤكد أنها ليست ضد احتلال غزة، بل هي تريد من نتنياهو الذهاب إلى هذا الهدف بأسلوب مغاير.
.. والأدلة التي تثبت أن إدارة بايدن تسير عملياً أمام إسرائيل، وليس ورائها بمسألتي تهجير الغزاويين وإعادة غزة لمربع احتلالها، هي كثيرة، غير أنه يظل أبرزها على مستوى ملف التهجير، هو ذاك القرار الزلزال بنتائجه على الواقع الفلسطيني الجديد؛ والمقصود به قرار دعم واشنطن وتغطيتها لقرار إقفال الأونروا وإنهاء أعمالها..
والواقع أن هذا القرار لا يريد معاقبة الأونروا على تورطها بالإرهاب حسب زعم تل أبيب وتأييد واشنطن لهذا الزعم؛ بل يريد أخذ الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، إلى أفق سياسي وديموغرافي جديد، هو بالتأكيد أفق لا يدعم على الأرض قواعد حل الدولتين الذي يزعم بايدن أنه يسعى إليه؛ ولا يعزز حتى حل أوسلو الذي يرفضه نتنياهو؛ بل يخدم حل تهجير الفلسطينيين على نحو يبدو أنه طوعي بالظاهر، بينما هو قسري عملياً.
إن صلة قرار إقفال الأونروا بهدف تهجير الفلسطينيين، هي صلة واضحة وجلية ومباشرة وتقع في عدة جوانب مباشرة؛ ويأتي في مقدمها أمران إثنان أساسيان:
الأول – البند ٥١ من المادة الأولى من اتفاقية جنيف تقول أنه في حال أنهت الأونروا أعمالها فإنه يحق لأي لاجيء فلسطيني أن يهاجر إلى أية دولة من الدول الموقعة على إتفاقية جنيف ويحصل منها على توطين فيها بصفة لاجيء!!
الأمر الثاني يتصل بأن الأونروا مسؤولة عن غوث الفلسطيني في أربع مجالات تشكل أساس الحياة لأي مجتمع: الصحة والتعليم والغذاء والشغل. وإقفال الأونروا يعني عملياً أن الفلسطيني، خاصة في غزة، دخل بعد حرب غزة مرحلة فقدانه للمنزل ولمجمل أسباب حياته الأربعة الأساسية؛ في حين أن إقفال فيلادلفيا بوجهه، سيجعله بمواجهة أفق إجباري واحد؛ وهو الهجرة إلى إحدى الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لتستقبله بوصفه لاجيء..
يبقى القول أن إسرائيل لم يكن بإمكانها الاستمرار بمشروع الحرب لتدمير الحياة في غزة، لولا قرار بايدن بحماية استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة بوجه كل العالم؛ وأيضاً لم يكن بإمكان إسرائيل تفكيك الأونروا وجعل الفلسطيني أمام معادلة الهجرة أو الموت؛ لولا قرار بايدن بإعدام الأونروا كمقدمة لبدء مسار تهجير استنزافي للديموغرافيا الفلسطينية ولقضيتها..