خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
وصلت الصواريخ المنطلقة من لبنان أمس إلى مدينة صفد، ولم يتبن حزب الله هذا القصف، لكن مسؤولين إسرائيليين هددوا بأن الرد على هذا القصف ضد الحزب ولبنان، سيكون قوياً..
وشكل قصف صفد رسالة من الحزب، استعرض خلالها إحدى أبرز أوراق الرد الإستراتيجية التي يملكها، والتي وجه أمس نظر إسرائيل إلى أنه سيلجأ لاستخدامها في حال قرر الكابينيت الإسرائيلي الاستمرار بتوسيع عملياته في لبنان..
.. وعليه فإن “قصف صفد” لم يقصد به الحزب أن يكون “البلاغ رقم واحد” لبدء الحرب الواسعة أو الشاملة، بل أراده أن يكون “التحذير رقم واحد” أو “جزء من التحذيرات الأخيرة” قبل الدخول في احتمالات بدء الحرب الشاملة أو توسيع المواجهات.
قبل ٢٤ ساعة من قصف صفد، نبّه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله إسرائيل لخطورة تبعات قيامها من جهة بتوسيع ميدان عملياتها التي بلغت مدينة النبطية وبلدة الخيام الواقعتين في عمق الجنوب؛ والتي خلفت من جهة ثانية ضحايا مدنيين، ما شكّل أيضاً خروجاً من قبلها على قواعد الاشتباك التي تنص على عدم المس بالمدنيين.
.. وعليه، أرادت حارة حريك من قصف صفد، توجيه دعم بالنار يضيف مصداقية وجدية للتحذير الشفهي الذي أطلقه نصر الله لإسرائيل في خطابه الأخير بشأن ضرورة عودتها للالتزام بقواعدالاشتباك بشقيه: ميدان الـ٣ إلى ٥ كلم وتجنب المس بالمدنيين.. وضمن غايات قصف صفد، يوجد محاولة نصر الله لاستعادة توازن الردع المتبادل بين الحزب وإسرائيل، حيث أن حارة حريك بدأت تشعر أن كابينيت الحرب الإسرائيلي بدأ منذ حرب طوفان الأقصى يتقصد التحرر والتفلت من جملة محظورات حيوية شكلت طوال السنوات الأخيرة القيود الأهم التي فرضها الحزب على قواعد اشتباكه في لبنان مع إسرائيل.
ويظل الحدث الأبرز الذي عبّر بقوة عن هذا التفلت الإسرائيلي، هو تجاهل الكابينيت لتحذير سابق لنصر الله بعدم قيام إسرائيل بإغتيالات في لبنان تحت طائل أن الحزب سيرد على ذلك فوراً وبما يتناسب مع نوعية وحجم فعل الإغتيال المرتكب..
وفي خطوة شكلت تحد لهذا المحظور الذي وضعه نصر الله على إسرائيل، قام الكابينيت بانتقاء الساحة اللبنانية لينفذ فوقها أهم عملية اغتيال قام بها خلال كل حرب غزة ضد حماس.. والمقصود هنا اغتيال الرجل الثاني في حماس صالح العاروري.
والواقع أن عملية قصف صفد يدرجها حزب الله ضمن مناورة ميدانية يقوم بها حالياً داخل مواجهات الحرب المواكبة لحرب غزة، هدفها إعادة إحياء تفاهم نيسان.. وتجدر الإشارة على هذا الصعيد أن الحزب يشعر بأن الوضع الراهن لحال المواجهة العسكرية مع إسرائيل يشبه مرحلة ما قبل إجبار إسرائيل على القبول عام ١٩٩٦ بما سمي آنذاك “بتفاهم نيسان” الذي حقق للحزب هدف موافقة إسرائيل على “تحييد المدنيين” من القتال المفتوح بينه وبين الجيش الإسرائيلي. ويراهن نصر الله على أن قصف صفد التحذيري سيستنفر الوساطات الخارجية التي لا تريد توسع الحرب وبمقدمها إدارة بايدن؛ للبحث عن “تفاهم نيسان جديد” أو “إحيائه” هو عينه، وذلك بغية ضمان عدم انزلاق المواجهات على الجبهة الشمالية لحرب شاملة؛ وذلك خلال المرحلة الفاصلة بين عدم موافقة حزب الله على وقف للنار على الجبهة الشمالية قبل موافقة تل أبيب على وقف للنار على الجبهة الجنوبية في غزة، وبين نجاح الوساطات بوقف النار في غزة وبالتالي في الجبهة الإسرائيلية مع لبنان.
هل تنجح مناورة حزب الله باستدراج تحرك دولي لإعادة تفعيل “تفاهم نيسان” داخل مواجهات الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع لبنان؛ أم أن نتنياهو يريد أخذ اللحظة الراهنة لمناورة معاكسة ومضادة لمناورة نصر الله، وقوامها دفع المشهد على الجبهة الشمالية إلى حافة الحرب، وبذلك يضيف نتنياهو لمناورته التي يلوح خلالها بالتهديد باقتحام رفح، مناورة أخرى موازية يلوح من خلالها بالتهديد بتوسيع الحرب في لبنان؛ ما يعطيه هامشاً للمقايضة مع الأميركي من خلال القول لبايدن: سأعطيك عدم توسيع الحرب في لبنان، بمقابل إعطائي الموافقة على توسيع الحرب من خانيونس إلى رفح وفيلادلفيا؟!