خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
هناك حبس أنفاس بانتظار أخبار إيجابية من باريس تبشر بنجاح المفاوضات الجارية بين المندوبين المصريين والقطريين والأميركيين والذين انضم إليهم في الساعات الأخيرة المندوب الإسرائيلي.
هناك أربع علامات مستجدة يتم الرهان عليها من قبل المتابعين بوصفها دلائل تساعد على الاعتقاد بأن مفاوضات باريس هذه المرة ستؤدي إلى إبرام هدنة جديدة في حرب غزة تؤدي إلى إيقافها بالكامل:
العلامة الأولى تتمثل بممارسة الرئيس الأميركي ضغطاً أكثر فعالية هذه المرة على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ وتقول معلومات أن بايدن وضع نتنياهو أمام خيارين إثنين: إما الإلتحاق بمفاوضات باريس، وإما أنه سيواجه سياسة أميركية جديدة تتخلى في المرة القادمة عن ممارسة حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مطلب الدول الأعضاء فيه بوقف إطلاق نار شامل وفوري في غزة.
العلامة الثانية تتمثل باستجابة نتنياهو هذه المرة للضغط الأميركي، ما يعني أن إدارة بايدن قطعت مرحلة المناورة تجاه مقاربتها لحرب غزة؛ ودخلت في لحظة إظهار الهيبة الأميركية بوجه تل أبيب..
ويعود سبب هذا التغير في موقف بايدن إلى أمرين أساسيين، الأول أن الوضع الإنساني في غزة وصل لمرحلة الانفجار الكوارثي ما سيؤثر سلباً على صورته الإنتخابية خاصة داخل بيئات الشباب في حزبه، مما يقوي فكرة استبداله بميشال أوباما؛ والسبب الثاني هو أن استمرار الحرب الإسرائيلية ودخولها مرحلة اقتحام رفح، سيدخل حرب غزة في تعقيدات إقليمية سواء على الجبهة الجنوبية أو على الجبهة الشمالية.
والتقدير الأميركي يقول أن استمرار تصعيد نتنياهو في الجنوب سيجعله يصطدم بمصر التي تعتبر تهجير أهالي غزة إلى سيناء، هو مس بأمنها القومي.. كما أن استمرار التصعيد في الجنوب ودخول إسرائيل رفح، سيؤديان حتماً إلى استمرار المواجهات في الشمال، وسيزيد ذلك مع الوقت من درجة التصعيد هناك، ما قد يقود لحرب إقليمية.
وكل هذه المعطيات جعلت إدارة بايدن تأخذ قراراً بضرورة أن تكون معركة خانيونس آخر جولات حرب غزة، وأن يتم الآن إبرام هدنة جديدة تؤدي إلى إطلاق الأسرى كخطوة أولى، ومن ثم تؤدي إلى بحث اليوم التالي في غزة انطلاقاً من عدة اعتبارات: أولها إشراك مصر والسعودية والإمارات ودول أخرى أوروبية مثل المانيا بعملية إعادة إعمار غزة، وثانيها أن تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بدعم مصري وعربي ودولي بفرض سلطتها على غزة، وثالثها أن تنسحب إسرائيل من غزة بشكل كامل..
والواقع أن هذه الخطوات ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية وضعتها واشنطن لتسوية وقف حرب غزة: ١- لا احتلال ولا تهجير لغزة؛ ٢- لا لعودة حكم حماس لغزة؛ ٣- عودة السلطة الفلسطينية لغزة بعد ترشيدها وإجراء إصلاحات عليها.
العلامة الثالثة الدالة على أن مفاوضات باريس ستؤدي هذه المرة لإبرام هدنة، تتمثل بإرسال نتنياهو وفداً لمفاوضات باريس غير مقيد الصلاحيات كما فعل في المرة الماضية.. والوفد الإسرائيلي الذي سيجلس اليوم حول طاولة التفاوض في باريس سيكون لديه رخصة التفاوض بإسم حكومة الحرب في إسرائيل، وليس رخصة الاستماع فقط.
إن رئيس الموساد برنياع هو المسؤول الآن عن خوض جولة التوصل لهدنة؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن التوجيهات التي يحملها برنياع ليفاوض انطلاقاً منها، لم يضعها هذه المرة نتنياهو وحده، بل كابينيت الحرب مجتمعاً؛ أي أن القرار الذي حمله برنياع لمفاوضات باريس يعبر عن وجهة نظر نتنياهو ومعارضيه على حد سواء، أمثال غانتس وازنكوت وحتى جدعون ساغر.
ولقد عكس غانتس هذا الأمر في تصريح قال فيه بعد سفر برنياع إلى باريس “أن هناك احتمالات لنجاح جولة التفاوض”، وأضاف إن الجيش الإسرائيلي فتش تحت كل حجر في غزة عن الأسرى، وأنه لن يتم تفويت أي فرصة لإطلاقهم (يقصد فرصة التفاوض). وهنا يبدو واضحاً أن كلام غانتس عن عدم تفويت فرصة التفاوض، يعاكس الكلام السابق لنتياهو عن أن الضغط العسكري هو الفرصة الوحيدة لاطلاق الأسرى.
العلامة الرابعة تتصل بأن بايدن لديه داخل كل لعبة إطلاق الأسرى، هدف استراتيجي وهو إطلاق الأسرى الأميركيين الستة الذين سيشكلون مادة مهمة في حملته الإنتخابية الحرجة.. فبايدن في هذه اللحظة لم يعد فقط يعاني من صداع التنافس الحاد مع خصمه الجمهورية ترامب؛ بل هو بات يعاني من صداع ينتابه نتيجة تعاظم الكلام داخل بيته الديموقراطي عن استبداله بترشيح ميشال أوباما..
وخلاصة الموقف على هذا الصعيد هو أن بايدن يقف حالياً على مفترق صعب قوامه إما إيقاف نتنياهو عند حاجز رفح ووقف تداعيات غزة الإنسانية على صورة بايدن، وإما نجاح ميشال أوباما بتجاوز حاجز ترشح بايدن للرئاسة والحلول مكانه كمرشحة عن الحزب الديموقراطي!؟؟.