خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
لا أحد يقتنع مع بنيامين نتنياهو بأن ضالته التي يبحث عنها، وهو “النصر الجلي” موجودة في رفح .. فلو أراد أي مراقب مسايرة منطق نتنياهو؛ وجادل مقولته لتبين التالي: أولاً يقول نتنياهو أن كل ما تبقى من قوة لحماس؛ وأن كل ما تبقى من صمود في غزة؛ وأن كل ما تبقى من حرب على غزة (الخ…)، ينحصر بثلاث أو أربع كتائب تابعة لحماس تتموضع في رفح !!
وتريد مقولة نتنياهو هذه إقناع العالم بأن كل القضية باتت مجرد أربع كتائب لحماس موجودة في رفح؛ علماً أن كتائب حماس لا تزال – بحسب الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي – تقاتل في شمال غزة وفي محيط مستشفى الشفاء التي كان نتنياهو قال في بدايات الحرب أن قيادة حماس موجودة فيها؛ وأن اقتحامها سينهي حرب غزة، وسيؤدي إلى تحقيق “النصر الجلي” بحسب عبارة نتنياهو المحببة لقلبه.
حتى داخل إسرائيل، يطرح منطق نتنياهو بخصوص أنه سيذهب إلى رفح لتحقيق “النصر الجلي”، سؤالاً على الاعلام، وعلى سياسيين وعسكريين، وهو ماذا يقصد نتنياهو تحديداً بعبارة تحقيق النصر الجلي؟؟..
.. ويقول هؤلاء أن مصطلح “النصر الجلي” هو شعار سياسي بل حتى “إنشاء سياسي”، ولا يمكن النظر إليه بوصفه هدفاً استراتيجياً..
ومع ذلك يسير نتنياهو وراء شعار “النصر الجلي”، ويطرحه داخل مجتمع السجال الإسرائيلي بوصفه هدفاً استراتيجياً، وبأنه يعكس رؤيته لكيفية الوصول إلى نهاية الطريق الموحش الذي نجحت حماس في جعل إسرائيل تسير عليه.
والواقع أن أسباب غموض شعار نتنياهو عن مستقبل القتال مع حماس مفهومة؛ فهذه ليست أول مرة يخاطب نتنياهو فيها المجتمع الإسرائيلي بصفته حاجة ملحة له، لإبعاد خطر حماس.
فخلال بدايات حياته السياسية، وعندما بدأ يتصدى لمهمة نيله رئاسة الحكومة، رفع نتنياهو حينها شعاراً قال فيه للإسرائيليين: انتخبوني حتى أقضي على حماس.
ثم لاحقاً وبعد سنوات من بقائه في الحكم، رفع شعاراً قال فيه للإسرائيليين: لا تنتخبوا خصومي حتى لا تقوى حماس.
واليوم يقول للإسرائيليين: لا تعقدوا انتخابات مبكرة حتى لا تنجوا حماس من “العقاب”.
إن فكرة حماس استعملها نتنياهو طوال ١٥ عاماً كشماعة إما للبقاء في السلطة، وإما لإبعاد خصومه عن السلطة، وإما – كما يفعل الآن – لمنع عقد انتخابات مبكرة تبعده عن السلطة.
ما تقدم لا يعني أن حماس مشروع يخدم نتنياهو ويطيل عمره السياسي، بل يعني حصراً أن نتنياهو يريد استغلال كل شيء على وجه المسكونة بما في ذلك حماس، حتى يبقى في السلطة، وحتى يبعد خصومه عن السلطة، وحتى يمنع عقد انتخابات مبكرة قد تبعده عن السلطة.
ثانياً- عندما يرسل نتنياهو في وقت واحد وفداً من قبله إلى واشنطن ليفاوض ترامب حول عملية اقتحام رفح؛ ويرسل وفداً ثانياً إلى الدوحة ليفاوض يحيى السنوار حول إطلاق الأسرى وشروط وقف النار، إنما هو بذلك يريد إيصال رسالة للمجتمع الإسرائيلي مفادها أنه من منظاره فإن كل من هو غير إسرائيلي يجب إخضاعه لعملية إخضاع ومناورة عض أصابع معه، بغض النظر عما إذا كان هذا الآخر هو السنوار أم بايدن!!
وضمن هذا السياق كان لافتاً أمس تصريح نتنياهو الذي قال فيه لن يكون رئيساً للوزراء في إسرائيل من لا يقول “لا” لأميركا!!
بالشكل نتنياهو يكسر قواعد اللعبة الإسرائيلية مع أميركا، ويدوس على أهم بند في ثوابت الأمن القومي الإسرائيلي، وعنوانه الحفاظ على أوثق علاقة مع الحليف الإستراتيجي والوجودي الولايات المتحدة الأميركية!!
هناك واحد من تفسيرين إثنين لتصريح نتنياهو: إما انه كلام استهلاكي شعبوي يتفهمه البيت الأبيض المحتاج أيضاً في هذه اللحظة الإنتخابية لإطلاق كلام استهلاكي ينتقد تل أبيب يتفهمه نتنياهو أيضاً؛ وإما أنه كلام يظهر حقيقة أن علاقة إسرائيل ليست مع البيت الأبيض بل مع الولايات المتحدة الأميركية العميقة؛ أي شركات تصنيع الأسلحة، والقوانين التي تحمي إسرائيل داخل آليات عمل القرار الأميركي؛ ومع الكونغرس بغرفتيه، ومع المتمولين الذين يصنعون الرئيس الجمهوري والرئيس الديموقراطي على السواء..