خاص الهديل:
بقلم: بسام عفيفي
خلال المرحلة الأولى من المواجهات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة التي بدأت يوم ٨ تشرين الثاني الماضي، قال السيد حسن نصر الله أن الإقتراب من تحول المواجهات لحرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل تتوقف على نوعية سلوك إسرائيل في الميدان.. وعنى هذا الكلام بوضوح أنه في حال خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك المتمثلة بحصر العمليات العسكرية ضمن ميدان يبلغ عمقه الـ٥ كلم، وبالإمتناع عن استهداف المدنيين، فإن هذا التصرف سيقابله رداً من الحزب بنفس التناسب.
والواقع أن إسرائيل تقوم منذ فترة بخرق قواعد الاشتباك التي وضعها حزب الله؛ وأول إرتكاب فعلته إسرائيل على هذا الصعيد حدث عندما استهدفت عائلة في عيناتا. وما زاد من خطورة هذه الواقعة حينها تمثل بأنها جاءت بعد تحذير السيد نصر الله لتل أبيب الذي قال فيه “الدم بالدم”. وحينها أرسلت إسرائيل إيضاح يعزو سبب ما حدث لخطأ استخباراتي!!
ولكن خلال فترة لاحقة ارتكبت إسرائيل عملية اغتيال في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت ضد القيادي الثاني في حركة حماس الشيخ صالح العاروري.
.. صحيح أن إسرائيل لم تتبن العملية، ولكنها توقيعها غير المعلن عليها كان واضحاً؛ خاصة وأن توقيتها جاء بعد فترة قصيرة من تسريب كلام لرئيس الشاباك قال فيه أن إسرائيل قررت اغتيال مسؤولي حماس الموجودين في أي مكان في العالم، بما في ذلك في لبنان وقطر وتركيا، الخ..
وحينها تم النظر لكلام الشاباك على أنه ينطوي على تصعيد خطر، وأنه فيما لو تم تنفيذه؛ فإنه سيعرض العلاقات الإسرائيلية مع كل من قطر وتركيا لأزمات حادة، وهو أمر ليس في مصلحة إسرائيل، أضف أنه سيترك نتائج قد ترقى لمستوى حرب فيما لو اغتالت إسرائيل أي قيادي من حماس في لبنان، وذلك بالنظر لكون نصر الله كان سبق له وحذر من أن الحزب سيرد على أي اغتيال تنفذه إسرائيل في لبنان.
… غير أن الحزب تعامل مع اغتيال العاروري ضمن استراتيجية القيام بتنفيذ رد مدروس، ويتناسب مع التزامه في هذه المرحلة بمعادلة تحاشي الانزلاق لحرب..
ولا يزال حزب الله يوجه عملياته العسكرية ضمن استراتيجية تتكون من ثلاث نقاط:
الأولى الحفاظ على وتيرة تصعيد يومية عالية عسكرياً ومنخفضة على مستوى مداها الجغرافي (من ٥ إلى ٧ عمليات يومياً ومعظمها داخل ميدان الـ٥ كلم).. وتستهدف عمليات الحزب تدمير الخطوط التجسسية الإسرائيلية الأمامية بغية إعمائها؛ وتستهدف أيضاً تعطيل الحياة وتهجير مستوطنات الشمال الحدودية وتدمير كريات شمونة كبرى مستوطنات الجليل.
الثانية تطوير معادلة الرد على خرق إسرائيل قواعد الاشتباك، حيث بمقابل أن الجيش الإسرائيلي يتعمق باستهداف مناطق خارج ميدان الـ٥ كلم؛ فإن الحزب يقوم بتعميق استهدافه للأهداف وليس تعميق استهدافه للمناطق. بمعنى أن الحزب يصعد من خلال إدخال أسلحة جديدة في المواجهة ومن خلال تعميق أهدافه لتطال مواقع حساسة أكثر وبأسلحة أكثر قدرة على التدمير (القصف على ميرون ومقار القيادات العسكرية في صفد وطبريا).
الثالثة هو التزام الحزب حتى الآن بالمعادلة التالية التي لا تزال تحت سقف تحاشيه إعطاء ذريعة قوية لإسرائيل كي تفجر حرباً شاملة، ومفادها تدمير كريات شمونة مقابل استهداف إسرائيل للمدنيين وأيضاً قصف الجولان مقابل قصف تل أبيب لبعلبك ومناطق البقاع ..
وهناك عدة أسئلة أصبح ميدان الجنوب اللبناني مفتوحاً بقوة عليها:
السؤال الأول لماذا اختار الحزب أن يضع معادلة: “انه بمقابل بعلبك سيتم قصف المواقع الإسرائيلية في الجولان”؟.
أحد الإجابات عن هذا السؤال تقول أن الحزب من خلال قصف الجولان المحتل، يريد تطيير رسالة لكابينيت الحرب الإسرائيلي مفادها التالي:
أولاً- إذا أخذت إسرائيل قراراً بتوسيع كبير للحرب، فعليها حينها أن تضع في حسابها أن جبهة الجولان ستنضم للمعركة عبر استهدافها من ثلاث مناطق: ١- البقاع اللبناني؛ ٢- منطقة القنيطرة السورية؛ ٣- منطقة الحدود السورية العراقية.
وثانياً- يجب أن تضع تل أبيب في حسابها أيضاً أنه سينضم إلى النازحين الـ٧٥ ألفاً من مستوطنات الشمال، عشرات آلاف النازحين من مستوطنات الجولان.
السؤال الثاني- متى يقرر الحزب أنه بات من غير الممكن احتواء الخروقات الإسرائيلية لقواعد الاشتباك؟؟. وما هو الرد العسكري الذي إذا قام به الحزب، سوف يحتم رداً عسكرياً كبيراً من قبل إسرائيل، ما يؤدي إلى فتح باب اندلاع الحرب على مصراعيه؟
أبرز الأجوبة عن هذا السؤال يفيد التالي: إذا قامت إسرائيل بتنفيذ اغتيال كبير ضد حزب الله؛ أو إذا قامت بتدمير مبنى أو أكثر من مبنى في الضاحية الجنوبية بحجة أنها مقار للحزب؛ فحينها سيصبح الحزب ملزماً بصياغة رد عسكري يخرج عن نطاق المعادلة الراهنة التي يلتزم بها (وهي الاحتواء مع تعميق الأهداف).. ويرجح أن يكون رد الحزب هو قصف حيفا بشكل مؤلم، الأمر الذي سترد عليه إسرائيل بضرب منشآة حيوية تابعة للدولة اللبنانية، وهدف إسرائيل من ذلك، نقل المعركة من مرحلة أنها مواجهة بين الحزب وإسرائيل، إلى مرحلة أنها باتت مواجهة تدميرية مفتوحة مع كل لبنان الذي عليه – بحسب الخطة الإسرائيلية – دولة وجيشاً وشعباً تحمل الكلفة الضخمة.
السؤال الثالث- هل رسائل الحزب إلى إسرائيل كافية بردع إسرائيل عن تطوير المواجهات إلى حرب على الجبهة الشمالية (؟؟)؛ علماً أن هذه الرسائل تقسم إلى قسمين: القسم الأول يتمثل بإشعار إسرائيل بأن المواجهة مع لبنان لن تقتصر على الميدان اللبناني بل ستمتد إلى ميدان شاسع، يبدأ من جنوب لبنان ويمر بجنوب سورية ويمتد حتى يصل إلى مناطق الحدود العراقية السورية (لوحظ مؤخراً انطلاق صواريخ ومسيرات منها ضد قواعد بحرية في إسرائيل) وصولاً إلى اليمن المتخصصة بقصف آيلات…
القسم الثاني من رسائل الحزب، يتمثل بالإيحاء بأن حزب الله لم يستخدم حتى الآن إلا جزءاً صغيراً من ترسانته العسكرية والجيوسياسية؛ ما يعني أن الحرب المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت الكاسرة سواء على مستوى نوعية الأسلحة التي سيستخدمها الحزب، أو على مستوى اتساع نطاق الجبهات التي سيفتحها بوجه إسرائيل!!