خاص الهديل ؛
بقلم: ناصر شرارة
يوجد داخل إسرائيل نقاش بات يصبح مزمناً، حول ما إذا كان بنيامين نتنياهو ذاهب فعلاً لدخول رفح؛ أم أنه يستعمل شعار الاستعداد لمعركة رفح من باب المناورة السياسية بوجه إدارة بايدن من جهة، وبوجه حماس ومصر من جهة ثانية؛ وأيضاً ليثبت للشارع الإسرائيلي أنه جدي بمطاردة نيل هدف “النصر المطلق” على حماس الموجود في رفح التي يتمركز فيها آخر لواء لحماس حسب سردية نتنياهو!.
ويوماً بعد آخر يتكشف أن مشكلة خوض حرب رفح تكمن في أن كلفتها الهائلة على كل من تل أبيب وواشنطن، هي كلفة إنسانية وسياسية بأكثر بكثير مما هي عسكرية..
.. وما يعمق الأزمة بين نتنياهو وبايدن بخصوص ملف رفح؛ هو أن هذا النوع من النتائج (أي الكلفة الإنسانية)، هو أكثر ما تريد إدارة بايدن تجنب دفعه نظراً لانعكاساته السلبية المباشرة على حظوظه الانتخابية الرئاسية.. فأقله ستؤدي معركة رفح إلى خسارة بايدن ثلاثة أنواع من الشرائح الانتخابية: الشباب بشكل عام؛ التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي والعرب والمسلمون والملونون؛ القاطنون في الولايات المتأرجحة ذات الأهمية الكبيرة لبايدن وفريق إدارة حملته الانتخابية.
.. أضف أن إدارة بايدن وجدت بعد ستة أشهر أن موقفها الداعم لاستمرار حرب إسرائيل في غزة، أصبح معزولاً دولياً، وبات حتى حلفاؤها الغربيون لا يؤيدونه، وذلك بسبب ارتفاع الكلفة الإنسانية لهذه الحرب بين النساء والأطفال والمدنيين الفلسطينيين في غزة. وعليه فإن إدارة بايدن باتت الآن متيقنة أن دخول إسرائيل في حرب رفح التي يتكدس فيها مليون ونصف المليون لاجئ غزاوي، ستسفر عن حدوث أكبر مجزرة بحق المدنيين في التاريخ المعاصر؛ وسيكون من نتائج ذلك ليس فقط تشويه صورة الولايات المتحدة الأميركية دولياً؛ وليس فقط خسارة بايدن لما يكفي من الأصوات لتقل حظوظ فوزه؛ بل ستعرضه مع طاقم إدارته لاحتمال المساءلة القانونية بوصفه دعم سياسياً، وسلّح عسكرياً أكبر حرب إبادة جماعية في العصر الحديث نفذها نتنياهو والجيش الإسرائيلي في منطقة رفح.
إن منطق الأمور يقول أن إدارة بايدن لن تسمح بأي حال بحرب رفح، ولكن في حال أثبت نتنياهو أنه قادر على جر بايدن معه إلى وحل رفح، فهذا سيعني أن البيت الأبيض حينما يكون في لحظة حسابات ربع الساعة الأخيرة الانتخابية، يصبح منقاداً بشكل أعمى من اللوبي الانتخابي والمالي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية.. وفي هذه الحالة يضمن نتنياهو أن يجعل رئيس الولايات المتحدة الأميركية شريكاً معه وله، في أي تحرك دولي لاحق لتوجيه اتهام له بالإبادة الجماعية، أي أنه يصبح لديه حصانة أميركية تجاه أية مساءلة دولية له.
إن ما يحدث منذ لحظة وصول وزير حرب إسرائيل غالانت إلى واشنطن حتى الآن، هو محاولة التوصل إلى صياغة عدة مقاربات لكيفية التعامل مع أزمة رفح الناشبة بين إدارة نتنياهو والبيت الأبيض..
وتقول معلومات أن الجيش الإسرائيلي بتكليف من نتنياهو وضع أربعة سيناريوهات بخصوص رفح، وكل واحد منهم يحمل منسوب زهق أرواح للاجئي رفح بنسبة أقل من الآخر.. أي أن نتنياهو قدم لبايدن أربع جرائم وطلب منه أن يختار تغطية واحدة منها:
السيناريو الاول أو الجريمة الأولى: إجلاء كل سكان رفح، ومن ثم السيطرة عليها وعلى فيلادلفيا.. ويصف البنتاغون هذا السيناريو بأنه غير قابل للتنفيذ، حيث أن السؤال الأساس الذي يطرحه، هو كيف وإلى أين(؟؟) سيتجه مليون ونصف مليون نازح؟!.
السيناريو الثاني أو الجريمة الثانية: شق طريق يفصل بين رفح وباقي مناطق غزة، وفرض حصار على مليون ونصف غزاوي في رفح، ما يجعلها أمام أمر واقع قوامه إما أن تختار رفح موتها جوعاً، وإما أن تعلن حماس استسلامها، وأن تطلق من دون شروط جميع الأسرى الإسرائيليين.
السيناريو أو الجريمة الثالثة: احتلال رفح على مراحل ونقل السكان من منطقة لأخرى داخل المدينة بحسب تمرحل تنفيذ الخطة.
السيناريو أو الجريمة الرابعة التي على ما يبدو يجد الأميركي أنها الأفضل في حال وافق على مبدأ الهجوم الإسرائيلي على رفح؛ فهي تتمثل بإلغاء الهجوم الإسرائيلي، والإبقاء على الوضع الحالي، مع تزخيم عمليات الانقضاض الأمنية الخاطفة ضد أهداف معينة لحماس لجعلها تتنازل عن سقف مطالبها العالية..