خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
لم يكن متوقعاً دخول نتنياهو إلى غرفة العمليات لإجراء جراحة عاجلة له.. والأمر الهام في هذا التطور ليس موضوع الجراحة التي ستعالج مرض فتق اكتشفه أطباؤه خلال فحص دوري؛ بل يقع الحدث اللافت في مجرد فكرة أن نتنياهو سيغيب يومين كاملين عن الحكم؛ وسيكون خلالهما لبعض الوقت في حالة تخدير كامل.
والواقع أن “التخدير الكامل” هو الحدث الأبرز في عملية نتنياهو؛ فالرجل مضطر للغياب ليومين؛ وهو الذي لم يعتد أن يغمض عينيه للحظة واحدة عن مشاكسات غالانت له؛ ولا عن اتصالات غانتس من وراء ظهره مع إدارة بايدن؛ ولا عن رغبات لابيد في ركب موجة حراك أهالي الأسرى؛ ولا عن طموحات جدعون ساعر الانقلابية ضده؛ ولا عن محاولات ايزنكوت إبراز نموذجه النظيف بمقابل نموذج بيبي السيء؛ ولكنه الآن سيكون مضطراً لأن يدخل حالة غياب تام عن الوعي خلال العملية؛ كما سيكون عليه عدم تكثيف المتابعة لحركة خصومه طوال يوم كامل بعد إجراء العملية.
السؤال هو كيف يمكن تخيل إسرائيل خلال يومين من غياب نتنياهو عن الحكم، وخلال الساعات التي سيقضيها وهو بحالة تخدير كامل وغياب كلي عن الوعي؟؟.
آخر ما فعله نتنياهو قبل دخوله عملية جراحة الفتق، وقبيل دخوله في غيبوبة التخدير؛ هو قيامه بتوقيع عمليات اقتحام رفح وهو بذلك تقصد التلميح بالتالي: أنا سأدخل المستشفى وأما الجيش فسوف يدخل رفح بغض النظر عن موقف بايدن.
من وجهة نظر مراقبين تقصد نتنياهو أن يثير موضوع رفح قبل أن يغيب ليومين في المستشفى؛ وهدفه من ذلك أن يبقي السجال حول كلامه عن رفح وعن تحديه لبايدن، هما العنوانان المسيطران على نقاشات الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الساعات ال ٧٢ المقبلة التي هي فترة غيابه بالمستشفى.. فالمهم بالنسبة لنتنياهو هو أن يستمر شخصه موضوع الأحداث، وأن تكون مواقفه هي العنوان العريض لصحف اليوم التالي.
.. غير أنه ليلة أمس، وفي أثناء غياب نتنياهو عن المسرح السياسي، حدث أمران لافتان: الأول حصول صدام بين مجموعة “أخوة السلاح” وبين سكان أحد أحياء الحريديم..
لقد حدث ذلك عندما ذهبت مجموعات من “أخوة السلاح” إلى منطقة يقيم بها الحريديم من أجل نقاشهم بود، توصلاً لإقناعهم بالتجند بالجيش، فرد الأخيرون عليهم برشقهم بالحجارة.
العبرة من هذه الحادثة هي أن الحريديم غير مستعدين للحوار مع الآخر، بل هم فقط مستعدون للصدام معه.
ان تجربة مجموعة “أخوة السلاح” تقوم على فكرة أن المشاكل والخلافات بين العلمانيين والمتدينين داخل المجتمع الاسرائيلي، ممكن أن تحل بالحوار والنقاش والإقناع وليس بالصدام؛ ولكن ما حصل ليل أمس، وحينما كان نتنياهو بحالة تخدير كلي، هو أن الحريديم أعلنوا موقفهم من الحوار مع الآخر اليهودي العلماني، أو غير الحريديمي، وهو رشقه بالحجارة وطرده من أحيائهم؛ والواقع يمكن تلخيص ما حدث ليلة أمس على هذا المستوى بالتالي؛ وهو أن الحريديم أكدوا رفضهم التجند بالجيش، حيث رفعوا شعار “نموت ولا نتجند بالجيش”؛ وأوضحوا أيضاً موقفهم من طبيعة انتمائهم لدولة إسرائيل، حيث قام العديد منهم بإحراق العلم الإسرائيلي؛ وذلك في رسالة من قبلهم تقول: لا نعترف بدولة لا تقدم لنا الإمتيازات.. وأبعد من ذلك، قولهم عملياً أن كياننا هو التوراة وليس الكيان الإسرائيلي!!
الحدث الثاني الذي حدث أمس في إسرائيل التي لم يكن نتنياهو على رأس الحكم فيها؛ تمثل بالتظاهرات التي حصلت عند مبنى الكنيست، والتي امتازت بأن الشعار الأهم الذي رفع فيها، هو المطالبة بإسقاط نتنياهو، على اعتبار أن إسقاطه هو نقطة البداية لإصلاح كل شيء، وليس فقط للسير نحو إطلاق الأسرى لدى حماس.
.. أضف أن تظاهرة ليلة أمس تميزت بأن طيف المشاركين فيها كان متنوعاً، ما يؤشر إلى أن هذه التظاهرات دخلت مرحلة صياغة “جبهة سياسية عريضة” لديها ثلاثة عناوين أساسية: ١- ضد نتنياهو؛ ٢- إعطاء الأولوية لإطلاق الأسرى؛ ٣- تصحيح العلاقة لأعلى درجة مع البيت الأبيض ومع الولايات المتحدة الأميركية..
ويبقى من المهم القول هنا أن هذه الجبهة السياسية العريضة التي بدأت تتشكل من خلال تتابع تظاهرات أهالي الأسرى وتوسعها؛ لا تزال لديها عنوان رابع أساسي، ولكن مؤجل الإعلان المباشر عنه، ومفاده تأييد استمرار الحرب حتى القضاء على حماس، ولكن من وجهة نظرهم فإن هذه المعركة يجب أن تبدأ بعد اتمام عملية إطلاق الأسرى الإسرائيليين..
تجدر الملاحظة هنا أن تظاهرة ليلة أمس كانت أول إشارة تفيد بأن حراك أهالي الأسرى بدأ يتجه كي يتحول إلى اعتصامات أمام الكنيست؛ وهذا يعني أن نشاطهم المدني، تحول إلى حراك سياسي واسع العدد والتمثيل السياسي؛ واللافت فيه أن برنامج عمله تجاه حرب غزة بكل عناوينها، هو نفس برنامج عمل إدارة بايدن تجاه هذه الحرب بكل عناوينها؛ وهذا يعني أن إسرائيل دخلت أيضاً لحظة الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ حيث صار يمكن لحد كبير توقع ان يبادر نتنياهو فور خروجه من المستشفى إلى البدء بتشجيع بروز حراك شعبي مضاد لحراك أهالي الأسرى وان يجعله يرفع شعار: لا لبايدن ونعم لهزيمته في آن معاً في “رفح” وفي “الانتخابات الرئاسية الأميركية”..
واضح أن نتنياهو يتجه لجعل رفح بمثابة “صندوق انتخابي” ضد بايدن في المعركة الرئاسية الاميركية حامية الوطيس؛ بل ان التعبير الأدق هو أن نتنياهو يأخذ رفح ليصبح لها انتخابياً وسياسياً، معنى أنها إحدى الولايات الأميركية الإنتخابية المتأرجحة؛ ذلك انه في حال اقتحمها نتنياهو وكسر كلمة بايدن بخصوصها، فإن ذلك سيترك رسالة لدى الكثيرين من ناخبي الولايات المتأرجحة، وبمقدمها ميشيغان، تفيد بأن بايدن “رئيس ضعيف”، ولا يستأهل التصويت له؛ أما في حال تراجع نتنياهو عن الهجوم على غزة تحت تأثير ضغط بايدن عليه؛ فإن ذلك سيصب في مصلحة تحسين صورته في الولايات المتأرجحة التي بالعادة تحسم طريقة تصويتها إلى من سيفوز من بين المرشحين للرئاسة الأميركية..