خاص الهديل:
واهمٌ من يقول أن المظاهرت الطلابية في الولايات المتحدة الامريكية هي فقط رداً على الحرب والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي على غزة منذ السابع اكتوبر 2023، لاننا نرى الآن بأن الصحف الأميركية تمتلئ حتى الرزينة منها مثل «النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» وكذلك تمتلئ قاعات الكونغرس بهذا النوع من الحديث، وتحصر الظاهرة في معاداة السامية، لكن دعونا نستاءل، هل كانت مظاهرات الطلاب التي انفجرت في جامعة كولومبيا عام 1968 وانتشرت كالنار في الهشيم لتصل إيطاليا وألمانيا وتوقف الحياة في فرنسا… هل كانت معادية للسامية؟ بالطبع لا، وكذلك هذه المظاهرات أيضاً.
الاحتجاجات في جامعة كولومبيا بدأت كرد فعل على سياسة إسرائيل التي تمارس فعل الإبادة الجماعية في غزة، وهذا ما قالت به محكمة العدل الدولية عند قبولها دعوى دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. ولكن غزة وحدها لم تكن سبب هذا الانتشار للاحتجاجات الطلابية في أميركا؛ فغزة كما فيتنام، كانت محركاً للتناقضات في المجتمع الأميركي، وكذلك في أوروبا؛ وكان فسرها البعض على أنها جزء من عقدة أوديب في تحليل فرويد، بمعنى أن الأبناء الذين احتشدوا في الجامعات وأغلقوا باريس تماماً، كان هدفهم قتل الآباء، أو بالأحرى التمرد على فشلهم في بناء عالم أفضل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أنه لا فيتنام ولا مقتل مارتن لوثر كنغ هما السببان اللذان تسببا في مظاهرات أميركا؛ وأنه لم يكن لهما أي دور في تحريك المظاهرات في برلين.
الحراك الطلابي الضخم في امريكا والذي امتد لمئات الجامعات، وقادته جامعات النخبة مثل هارفارد وكولومبيا وييل ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، اضاف ديناميكية جديدة مؤثرة استعادت معها الذاكرة الجمعية الأميركية سنوات الاحتجاجات ضد حرب فيتنام.
وتظهر الاحتجاجات المتصاعدة بالجامعات الأميركية تغيرا واضحا في موقف الشباب الأميركيين تجاه إسرائيل، وسط انقسام في الآراء بشأن تداعياتها المتوقعة في واشنطن وتل أبيب، خاصةً بأن الحراك الطلابي الأميركي يعبر عن تغيير أعمق، خاصة أنه موجود أساساً في القاعدة الأساسية للحزب الديمقراطي الذي ينظر إليه على أنه الحزب الداعم لفلسطين مقابل الحزب الجمهوري الداعم لإسرائيل واليمين المتطرف فيها، فيما تشيراستطلاعات الرأي في أميركا تغيرا وتحولا بموقف الشباب الأميركيين من إسرائيل وانحيازا تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما بدا في لوم نتنياهو الجامعات الأميركية على تبدل المزاج العام تجاه إسرائيل، بالاضافة الى أن هناك دبلوماسيون امريكيون يؤكدون أن جيلا جديدا من يهود أميركا لا يؤيد الموقف الإسرائيلي وبدأ يبتعد عن الآباء منذ عام 2008، ويشيرون إلى وجود عدد قليل من الشباب الأميركيين الذين يدعمون الصهيونية.
منذ أيام وأصوات الجامعات الامريكية تتعالى ويزداد حجمها مندّدة بمجازر الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة منذ أكثرمن مائتي يوم، انطلقت بداية الحركة الطلابية من جامعة كولومبيا في أميركا، لتنتقل بها العدوة إلى جامعات أخرى داخل أميركا وفي العالم أمام استمرار الحرب واستمرار الصمت والتواطؤ الدولي مع المجرمين، فطلابٌ عديدون في العالم أصبحوا ينظرون إلى “مخيّم التضامن مع غزّة” في جامعة كولومبيا بواشنطن بوصفه فعلاً بطوليّاً يسعون إلى الاحتذاء به للضغط على جامعاتهم، ومن خلالها على حكومات دولهم للتحرّك لوقف حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة..
ومن أجل كسر هذا الحركة، يتم إشهار سلاح “معاداة السامية” لإسكات كل صوت ينتقد إسرائيل، لكن أمام وعي الطلاب فإن هذا السلاح لم يعُد يُجدي، خصوصاً بعدما أكد الطلاب أنهم سيستمرّون في احتجاجهم حتى تُسمع أصواتهم ضد مايحصل من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزّة، معلنين أن حركتهم سلمية تسير على خطى حركات الحقوق المدنية والحركات المناهضة للحرب على مر التاريخ الأميركي.
فهل ستتحرك الجامعات في منطقتنا العربية اسوةً بنظيراتها الاميركية ضد مايحصل من انتهاكات في غزة(؟؟) ، وهل تتشارك الحركات الطلابية العربية مع الحركات الطلابية الاميركية والاوروبية العالمية هدف نصرة القضية الفلسطينية ؟؟