خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
عشية وصول وزير الخارجية الأميركية بلينكن إلى إسرائيل وأثناء وجوده فيها؛ تقصد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي بتنسيق مع نتنياهو على الظهور في مشهدين إثنين يشكلان نوعاً من المناورة السياسية تساعد نتنياهو على إدارة تفاوض أسهل – قدر الإمكان – مع بلينكن: المشهد الأول ظهر فيه هليفي وهو يوقع على ما أسماه بالخطط العسكرية لمواصلة الحرب في غزة، وبضمنها بل وبمقدمها، الدخول إلى رفح.. المشهد الثاني تمثل بزيارة هليفي للجبهة الشمالية مع لبنان، وتصريحه من هناك أن الجيش الإسرائيلي يخطط لحرب ضد لبنان..
المشهدان يتناقضان مع أهم الأهداف الأميركية التي جاء بلينكن إلى إسرائيل كي يحققهما: فبايدن لا يريد توسيع الحرب؛ بينما هليفي يقول في نفس لحظة وجود بلينكن في المنطقة: إسرائيل تجهز للحرب ضد لبنان. وبايدن لا يريد – خاصة عشية الإنتخابات الأميركية – دخول إسرائيل إلى رفح؛ بينما هليفي يوقع أمر عمليات دخول رفح.
يبدو واضحاً أن نتنياهو يريد من خلال مناورة هليفي القول لبلينكن أمراً أساسياً، وهو أن تل أبيب بعد موافقتها على جعل ردها على القصف الإيراني، يتناسب مع كل ما طلبته إدارة بايدن منها بخصوص هذا الأمر، فهي تنتظر الآن تلقي الأثمان من واشنطن بخصوص ثلاثة ملفات تطلبها إدارة بايدن: ثمن مقابل هو عدم دخول رفح. ثمن مقابل القبول بوقف نار في غزة. ثمن مقابل عدم التصعيد لحرب في جنوب لبنان.
ويقوم تصور نتنياهو على أساس أن إدارة بايدن تملك رصيداً سياسياً مباشراً أو غير مباشر مع كل من مصر وإيران كي تجني لصالح إسرائيل هذه الأثمان الثلاثة: فبخصوص موضوع عدم دخول رفح يطلب نتنياهو من بايدن الضغط على المصريين كي تقنع حماس بالتخفيف من شروطها حول وقف النار؛ وتجدر الإشارة هنا أن نتنياهو يطرح ورقة رفح بوجه خيار صفقة تبادل الأسرى.. بمعنى أوضح نتنياهو يقول لبلينكن التالي: أنا مستعد لوقف نار دائم مع مصر في رفح ولكن ليس لوقف نار دائم مع حماس في غزة.. ببساطة يحاول نتنياهو أن يقايض على ورقة وقف النار الدائم في غزة التي لا يريدها؛ ولذلك يجعل حرب غزة عملياً حربين إثنتين الأولى مباشرة مع حماس والثانية غير مباشرة في رفح مع الأمن القومي المصري.. وهو بعد تعميم هذا الجو يقترح حلاً يقوم على مبدأ وقف نار دائم في رفح بمقابل عدم وقف نار دائم في غزة.
تبدو المناورة محكمة في اصطياد توازنات دقيقة موجودة في ميدان غزة؛ ولكن من خلال نتائج جولة بلينكن الحالية على المنطقة، وهي تحمل رقم ٨ منذ يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، يتضح أن إدارة بايدن انتقلت من “مرحلة التعايش” مع مناورات نتنياهو، إلى “مرحلة إقفال أبواب نتنياهو” في حرب غزة التي بدأت تصبح شأناً داخلياً أميركياً يؤثر سلباً أو إيجاباً على بورصة السباق بين الجمهوري والديموقراطي على البيت الأبيض. لقد رفع بلينكن بوجه نتنياهو بطاقتين حمر: الأولى ضد دخول رفح. الثانية ضد إفشال نتنياهو المسعى للاتفاق على وقف النار في غزة.
.. وعملياً إستجاب نتنياهو لمطلبي بلينكن، متلطياً وراء التصريحات الغربية التي تقول أن كرة تمرير الهدنة الجديدة هي في ملعب حماس التي عليها أن توافق على “الاتفاق السخي” لصالحها، كما وصفه بلينكن ووزراء خارجية أوروبا؛ ولكن يبقى المطلوب من بلينكن أمراً واحداً لم يفعله بعد، وهو تقديم ثمن خاص لنتنياهو يضمن له أن لا يكون ثمن موافقة الأخير على قرار وقف النار، رأس مستقبله السياسي!!
ويمكن لنتنياهو أن يحصل على ضمانة من بايدن قوامها أن لا يدعم الأخير خطة مبيتة لجعل نتنياهو يدفع ثمن التقصير في حرب طوفان الأقصى؛ وأيضاً لجعله يدفع ثمن نحو عقد ونصف من تهميشه لكل خصومه السياسيين من اليسار والوسط واليمين. وموافقة بايدن على دفع هذه الضمانة، ستحصل فقط في حال تعهد الطرفين (بايدن ونتنياهو) بأن لا يتدخل أحدهما ضد الآخر في بلده، لصالح معارضيه.. أي أن بايدن لا يتدخل لتوحيد معارضة لابيد وغانتس وايزنكوت وساعر والجيش بوجه نتنياهو، الخ.. وبالمقابل نتنياهو لا يدفع اللوبي اليهودي في أميركا للتصويت لصالح ترامب.
أما بالنسبة إلى مناورة نتنياهو على الجبهة الشمالية مع لبنان؛ فهناك مستجدات استراتيجية ذات علاقة بموازين القوى طالت هذه الجبهة، حدثت خلال الشهر الماضي؛ ولم يعد يستطيع نتنياهو القفز عنها. والمقصود بهذه المستجدات هي جولة اللكمات العسكرية التي حصلت بين إيران وإسرائيل والتي أدت لخلاصة استراتيجية مفادها أن جبهة الشمال التي يوجد في عمقها العامل الإيراني، أصبحت تتفاعل بعد التطور العسكري الإيراني الإسرائيلي الأخير، داخل درجة حرارة إقليمية معتدلة.. وسوف يستمر هذا الوضع على هذا النحو بغض النظر عن حصول عمليات ضغط وتسخين بين الفينة والأخرى، في أجواء ميدان الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله.
.. بكلام أوضح فإن المنازلة العسكرية المباشرة الإيرانية الإسرائيلية الاخيرة، رسمت سقفاً للتصعيد في الشمال، قوامه أنه لا حرب شاملة ولا هدوء شامل؛ وذلك بانتظار حل شامل يبدأ مع حلول لحظة وقف النار في غزة.